للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(مسألة)]

قال المزني رضي الله عنه: " وَقَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ إِمْلَاءً عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ فَشَهْرٌ (قَالَ) وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهَا أَوْ أَعْتَقَهَا وَهِيَ حَائِضٌ لَمْ تَعْتَدَّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا كَانَتْ أُمُّ الْوَلَدِ مُؤَيَّسَةً اسْتَبْرَأَتْ نَفْسَهَا بِالشُّهُورِ وَفِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ - إِنَّهَا تَسْتَبْرِئُ نَفْسَهَا بِشَهْرٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّ عَلَيْهَا قُرْءًا وَاحِدًا، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَقْرَاءَ الثَّلَاثَةَ فِي مُقَابَلَةِ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَصَارَ الْقَرْءُ الْوَاحِدُ مُقَابِلًا لِشَهْرٍ وَاحِدٍ، فَلِذَلِكَ اسْتَبْرَأَتْ نَفْسَهَا فِي الْقُرْءِ الْوَاحِدِ بِشَهْرٍ وَاحِدٍ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهَا تَسْتَبْرِئُ نَفْسَهَا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ كَالْحُرَّةِ، لِأَنَّهُ أَوَّلُ الزَّمَانِ الَّذِي يَبْرَأُ فِيهِ الرَّحِمُ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّ ابْنَ آدَمَ يَمْكُثُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً ثُمَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَقَةً ثُمَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مُضْغَةً "، فَهُوَ بَعْدَ انْتِقَالِهِ مِنَ الْعَلَقَةِ إِلَى الْمُضْغَةِ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ تَظْهَرُ أَمَارَاتُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ فَيُعْرَفُ بِهِ حَالُ الْحَمْلِ، وَبِفَقْدِ أَمَارَاتِهِ تُعْرَفُ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ فَلَمْ يَتَبَعَّضْ هَذَا الزَّمَانُ فِيهِ، وَجَرَى مَجْرَى الْحَمْلِ الَّذِي لَا يَتَبَعَّضُ فَاسْتَوَى فِيهِ اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ، وَهَذِهِ الْحُرَّةِ كَذَلِكَ الشُّهُورُ.

(مَسْأَلَةٌ)

قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَأَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَنَّ اسْتِبْرَاءَ كُلِّ ذَاتِ حَمْلٍ مِنْ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ يَكُونُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في سبي أوطاس: " أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ ".

وَرَوَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " عِدَّةُ كُلِّ ذَاتِ حَمْلٍ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا " وَلِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَتَبَعَّضُ فَعَمَّ حُكْمُهُ فِي الْحَرَائِرِ، وَالْإِمَاءِ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ فَإِذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي نِفَاسِهَا لَكِنْ يُمْنَعُ الزَّوْجُ مِنْ وَطْئِهَا فِي النِّفَاسِ كَمَا لَوْ كَانَ مِنْهُ وَصَارَ اسْتِبْرَاءُ أُمِّ الْوَلَدِ، وَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَاةِ، وَالْحُرَّةِ الْمَسْبِيَّةِ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: بِالْحَمْلِ إِنْ كَانَ وَهْمًا وَهُوَ مِمَّا تَسَاوَى فِيهِ الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ وَبِالطُّهْرِ وَالْحَيْضِ إِنْ فُقِدَ الْحَمْلُ، وَكَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ، وَهُوَ مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْحُرَّةُ، وَبِالشُّهُورِ إِنْ فُقِدَتِ الْأَمْرَانِ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي مُسَاوَاتِهِمَا فيه الحرة.

(فَصْلٌ)

فَأَمَّا الْمُدَبَّرَةُ إِذَا مَاتَ عَنْهَا سَيِّدُهَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِرَاشًا عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ، وَلَمْ يَلْزَمْهَا اسْتِبْرَاءٌ عَنْهُ، وَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ مِنْ سَاعَتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ اسْتَبْرَأَتْ نَفْسَهَا بَعْدَ موته بقروء وَاحِدٍ كَأُمِّ الْوَلَدِ، وَلَمْ تَحِلَّ لِلْأَزْوَاجِ إِلَّا بعد الاسبتراء.

<<  <  ج: ص:  >  >>