للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْبَصْرِيِّينَ وَإِنْ خَالَفَ الْبَغْدَادِيُّونَ فِي الِاعْتِدَادِ بِبَقِيَّةِ الطُّهْرِ، وَجَعَلَهُ الْبَصْرِيُّونَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ فِي بَقِيَّةِ الطُّهْرِ، وَفَرَّقَ الْبَغْدَادِيُّونَ بَيْنَهُمَا: بِأَنَّ بَقِيَّةَ الْحَيْضِ يَتَعَقَّبُهُ طُهْرٌ لَا يَدُلُّ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَلَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، وَبَقِيَّةُ الطُّهْرِ تَتَعَقَّبُهُ حَيْضٌ يَدُلُّ عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَاعْتَدَّتْ بِهِ وَهَذَا، وَهَذَا تَزْوِيقٌ، وَلَيْسَ تَحْقِيقًا وَلَوْ عُكِسَ لَكَانَ أَشْبَهَ.

وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ مَاتَ سَيِّدُهَا فِي أَوَّلِ حَيْضِهَا اعْتَدَّتْ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ، وَإِنْ مَاتَ فِي آخِرِهَا لَمْ تَعْتَدَّ بِهِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ أَوَّلِ الْحَيْضِ وَآخِرِهِ بِأَنَّ قُوَّةَ أَوَّلِهِ تَمْنَعُ مِنْ عُلُوقِ الْوَلَدِ فَبَرَأَ بِهِ الرَّحِمُ وَضَعْفُ آخِرِهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ عُلُوقِ الْوَلَدِ، فَلَمْ يَبْرَأْ بِهِ الرَّحِمُ وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ بَرِئَ بِهِ الرَّحِمُ فِي الِاسْتِبْرَاءِ لَبَرِئَ بِهِ الرَّحِمُ فِي الْعِدَّةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ بَرِئَ الرَّحِمُ بِأَوَّلِهِ لَمْ يُحْتَجْ إِلَى اسْتِكْمَالِ آخِرِهِ.

فَإِذَا ثَبَتَ، مَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا لَا تَعْتَدُّ بَقِيَّةَ حَيْضِهَا، فَإِذَا طَهُرَتْ مِنْهَا، وَدَخَلَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ دَخَلَتْ فِي قُرْئِهَما فَإِذَا اسْتَكْمَلَتْهَا بِانْقِطَاعِ الدَّمِ وَدُخُولِهَا فِي الطهر الثاني حلت، وإن كانت عنه مَوْتِ السَّيِّدِ طَاهِرًا لَمْ تَعْتَدَّ بِبَقِيَّةِ طُهْرِهَا، فَإِذَا رَأَتِ الدَّمَ دَخَلَتْ فِي قُرْئِهَا فَإِذَا اسْتَكْمَلَتِ الْحَيْضَةَ، وَطَهُرَتْ حَلَّتْ فَهَذَا حُكْمُ الْوَجْهِ الثَّانِي: أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْحَيْضُ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ الَّذِي تَفَرَّدَ بِهِ الْبَصْرِيُّونَ أَنَّ الطُّهْرَ وَالْحَيْضَ مَقْصُودَانِ مَعًا فِي قُرُوءِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُقْصَدَا مَعًا فِي أَقْرَاءِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي أَقْرَاءِ الْعِدَّةِ يَجْتَمِعَانِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَقْصُودًا، وَفِي قُرُوءِ الِاسْتِبْرَاءِ لَا يَجْتَمِعَانِ إِلَّا أَنْ يُقْصَدَا فَلِذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَا فِيهِ مَقْصُودَيْنِ، فَعَلَى هَذَا لَهَا عِنْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ حَالَتَانِ: حَائِضٌ، أَوْ طَاهِرٌ، فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا، فَإِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا وَرَأَتِ الطُّهْرَ دَخَلَتْ في قرئها، فإذا استكملت طهرها ثم حَيْضَةً كَامِلَةً بَعْدَهُ، وَدَخَلَتْ فِي الطُّهْرِ الثَّانِي حَلَّتْ، وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا، فَهَلْ تَعْتَدُّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِبَقِيَّةِ هَذَا الطُّهْرِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا تَعْتَدُّ بِهِ كَمَا لَا تَعْتَدُّ بِهِ عَلَى قَوْلِ الْبَصْرِيِّينَ إِذَا كَانَ الطُّهْرُ وَحْدَهُ مَقْصُودًا فَعَلَى هَذَا إِذَا رَأَتِ الدَّمَ بَعْدَ بَقِيَّةِ هَذَا الطُّهْرِ دَخَلَتْ فِي قُرْئِهَا، فَإِذَا اسْتَكْمَلَتْ حَيْضَتَهَا ثُمَّ اسْتَكْمَلَتْ بعدها طهر كَامِلًا، وَرَأَتْ دَمَ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ حَلَّتْ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِبَقِيَّةِ هَذَا الطُّهْرِ إِذَا كَانَا مَقْصُودَيْنِ، وَلَا تَعْتَدُّ بِهِ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَقْصُودًا لِقُوَّتِهِ إِذَا قُرِنَ بِغَيْرِهِ وَضَعْفِهِ إِذَا انْفَرَدَتْ بِذَاتِهِ، فَعَلَى هَذَا يَدْخُلُ فِي قُرْئِهَا فِي بَقِيَّةِ طُهْرِهَا، فَإِذَا دَخَلَتْ فِي الْحَيْضَةِ وَاسْتَكْمَلَتْهَا بِانْقِطَاعِ الدَّمِ، وَدُخُولِ الطُّهْرِ حَلَّتْ وَيَصِيرُ اسْتِبْرَاؤُهَا بِذَلِكَ مُوَافِقًا لِأَحْكَامِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>