بَعْضِهِ. لَمْ تَصِحَّ مِنْهُ الْمُحَابَاةُ فِيهِ. وَتَحْرِيرُهُ أَنَّهُ عَقْدٌ اسْتَهْلَكَ بِهِ شَيْئًا مِنْ مَالِ مُوَكِّلِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا كَالْهِبَةِ.
فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا وَأَنَّ الْمِثْلَ مُعْتَبَرٌ وَأَنَّ الْبَيْعَ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بمثله باطل فالاعتبار بالغبن عُرْفُ النَّاسِ فِي مِثْلِ الْمَبِيعِ وَلَيْسَ لَهُ حَدٌّ مُقَدَّرٌ.
وَقَالَ مَالِكٌ حَدُّ الْغَبْنِ فِي البيوع والثلث فصاعدا لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ.
وَقَالَ أبو حنيفة حَدُّ الْغَبْنِ نِصْفُ الْعُشْرِ فَصَاعِدًا لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَجِبُ فِي زِكْوَاتِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ.
وَكِلَا الْمَذْهَبَيْنِ فَاسِدٌ لِأَنَّ عُرْفَ النَّاسِ فِيمَا يَكُونُ غَبْنًا كثيرا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ، فَمِنَ الْأَجْنَاسِ مَا يَكُونُ رُبُعُ الْعُشْرِ فِيهِ غَبْنًا كَثِيرًا وَهُوَ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالذَّهَبُ وَالْوَرِقُ وَمِنْهَا مَا يَكُونُ نِصْفُ الْعُشْرِ فِيهِ غَبْنًا يَسِيرًا كَالرَّقِيقِ وَالْجَوْهَرِ وَالطُّرَفِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَحُدَّ ذَلِكَ بِقَدْرٍ مَعَ اخْتِلَافِهِ فِي عُرْفِهِمْ وَوَجَبَ الرُّجُوعُ فِيهِ إِلَيْهِمْ فما كان في عرفهم غبنا كثيرا بطلنا وما كان فيه غبنا يسيرا أمضين أن البيوع لا تنفك من يسير المفانيات لِأَنَّهَا أَرْبَاحُ التِّجَارَاتِ.
فَإِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ كَانَ بَيْعُهُ بَاطِلًا. وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُسَلِّمِ الْمَبِيعَ فَإِنْ سَلَّمَهُ صَارَ بِالتَّسْلِيمِ ضَامِنًا وَلَزِمَهُ اسْتِرْجَاعُ الْمَبِيعِ إِنْ كَانَ بَاقِيًا. فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي كَانَ كُلٌّ مِنَ الْوَكِيلِ وَالْمُشْتَرِي ضَامِنًا.
أَمَّا الْمُشْتَرِي فَضَامِنٌ لِجَمِيعِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ قَابِضٌ عَنْ عَقْدِ بَيْعٍ فَاسِدٍ. وَأَمَّا الْوَكِيلُ فَفِي قَدْرِ مَا يَضْمَنُهُ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ الصَّغِيرِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ الْقِيمَةِ لِتَعَدِّيهِ بِالتَّسْلِيمِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا غَبَنَ فِيهِ مِنْ قَدْرِ الْمُحَابَاةِ لأنه بد فَسَدَ الْعَقْدُ وَلَزِمَ الضَّمَانُ. وَقَدْ مَضَى فِي التَّفْرِيعِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَكِتَابِ الرَّهْنِ مَا يُقْنِعُ.
(فَصْلٌ)
وَالدَّلِيلُ عَلَى الشَّرْطِ الثَّالِثِ وَأَنَّ بَيْعَهُ بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ لَا يَجُوزُ هُوَ أَنَّ الْأَجَلَ فِي الْبَيْعِ يَدْخُلُ تَارَةً فِي الْمُثَمَّنِ فَيَصِيرُ سِلْمًا وَتَارَةً فِي الثَّمَنِ فَيَصِيرُ دَيْنًا. فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُدْخِلَ الْأَجَلَ فِي الْمُثَمَّنِ فَيَجْعَلَهُ سِلْمًا. لَمْ يَجُزْ أَنْ يُدْخِلَ الْأَجَلَ فِي الثَّمَنِ فَيَجْعَلَهُ دَيْنًا.
وَتَحْرِيرُهُ أَنَّهُ تَأْجِيلُ أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَصِحَّ مِنَ الْوَكِيلِ مَعَ إِطْلَاقِ الْإِذْنِ قِيَاسًا عَلَى تَأْجِيلِ الْمُثَمَّنِ.
وَلِأَنَّ الْأَجَلَ لَمَّا لَمْ يَلْزَمِ الْمَالِكَ فِي عَقْدِهِ إِلَّا بِشَرْطٍ صَرِيحٍ لَمْ يَلْزَمِ الْمُوَكِّلَ إِلَّا بِإِذْنٍ صَرِيحٍ. لِأَنَّ إِطْلَاقَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَقْدَيْنِ مُعْتَبَرٌ بِالْآخَرِ وَسَوَاءٌ طَالَ الْأَجَلُ أَوْ قَصُرَ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ إِطْلَاقَ الْإِذْنِ يَقْتَضِي الْعُمُومَ فَهُوَ أَنَّهُ خَطَأٌ فِي الْقَوْلِ وَارْتِبَاكٌ فِي الدَّعْوَى بَلِ الْإِطْلَاقُ فِي الْإِذْنِ يَقْتَضِي الْعُرْفَ بِدَلِيلِ أَنَّ إِطْلَاقَ الْإِذْنِ بِالشِّرَاءِ لَا يَقْتَضِي عُمُومَ الْأَشْرِيَةِ وَكَذَلِكَ إِطْلَاقُ الْإِذْنِ بِالْبَيْعِ لَا يَقْتَضِي عموم البيوع.