وَلَيْلَةً، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: " فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي " وَأَمَرَهَا بترك الصلاة عند وجود صفة الْحَيْضِ فِي دَمِهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ تقدير بثلاثة فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى إِطْلَاقِهِ إِلَّا مَا قَامَ دَلِيلُ تَخْصِيصِهِ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا زَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَهُوَ استحاضةٌ، وَأَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ أَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالصَّحَابِيُّ إِذَا قَالَ هَذَا فَإِنَّمَا يُرِيدُ بِهِ أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ وَعُلَمَائِهَا، فَدَلَّ هَذَانِ الْأَثَرَانِ عَلَى أَنَّ التَّوْقِيتَ بِالْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَوْجُودٌ وَالْوِفَاقُ عَلَيْهِ مَشْهُورٌ، وَلِأَنَّهُ دَمٌ يُسْقِطُ فَرْضَ الصَّلَاةِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ يَوْمًا وَلَيْلَةً كَالنِّفَاسِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مُدَّةٍ صَلُحَتْ أَنْ تَكُونَ زَمَنًا لِلْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ شَرْعًا صَلُحَتْ لِأَنْ تَكُونَ زَمَنًا لِأَقَلِّ الْحَيْضِ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْحَمْلُ، لِأَنَّهُ تُقُدِّرَ بِالشُّهُورِ دُونَ الْأَيَّامِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ رِوَايَتِهِمْ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أَنَّهُ قَالَ أَقَلُّ الْحَيْضِ ثلاثٌ فَهُوَ أَنَّهُ خبر مردود؛ لأن عبد الملك مجهول، والعلا ضَعِيفٌ، وَمَكْحُولٌ لَمْ يَلْقَ أَبَا أُمَامَةَ، فَكَانَ مُرْسَلًا، وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى سُؤَالِ امْرَأَةٍ كَانَتْ عَادَتُهَا ثَلَاثًا، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ " تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا " وَأَمَّا ابْنُ مَسْعُودٍ فَقَوْلُهُ مَعَارِضٌ بِقَوْلِ عَلِيٍّ، وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ عُمُومَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يُعَاضِدُهُ وَأَمَّا أَنَسٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْحَيْضِ أَصْلًا، قَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ اسْتُحِيضَتِ امْرَأَةٌ مِنْ آلِ أَنَسٍ فَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْهَا، وَأَنَسٌ حَيٌّ، وَلَوْ كَانَ أَصْلًا فِيهِ لَاكْتَفَوْا بِسُؤَالِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى مَا دُونَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، فَالْمَعْنَى فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَنَّهُ مُسْتَوْعِبٌ لِأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ.
(فَصْلٌ)
: وَأَمَّا مَالِكٌ فَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذَى) {البقرة: ٢٢٢) فَجُعِلَ الْأَذَى حَيْضًا، وَيَسِيرُ الدَّمِ أَذًى فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ " قَالَ: وَلِأَنَّهُ دَمٌ يُسْقِطُ فَرْضَ الصَّلَاةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَقَلُّهُ غَيْرَ مَحْدُودٍ كَالنِّفَاسِ.
وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ فَجَعَلَ زَمَانَ الْحَيْضِ مُسْقِطًا لِفَرْضِ الصَّلَاةِ، وَسُقُوطِهَا يَتَعَلَّقُ بِزَمَانٍ مَحْدُودٍ، وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنَ الرَّحِمِ يَدُلُّ عَلَى بَرَاءَتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَحْدُودًا كَالْحَمْلِ، فَأَمَّا الْآيَةُ فَلَا دَلِيلَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْحَيْضَ أَذًى، وَلَمْ يَجْعَلِ الْأَذَى حَيْضًا، وَأَمَّا حَدِيثُ فَاطِمَةَ فَالْمُرَادُ بِهِ إِقْبَالُ حَيْضِهَا، وَقَدْ كَانَ أَيَّامًا، وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى النِّفَاسِ فَالْمَعْنَى فِيهِ وجود العادة بيسيره.
[(مسألة)]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَأَكْثَرُ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ.
وَحُكِيَ عَنْ أبي حنيفة أَنَّ أَكْثَرَهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَعَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ أَكْثَرَهُ سَبْعَةُ أَيَّامٍ، وَعَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute