وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ حَكَاهَا أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ عَنْ بَعْضِ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ لِاخْتِلَافِ النَّصِّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ، وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِي الْعَادَةِ يَوْمًا لَمْ يَكُنْ لِزِيَادَةِ اللَّيْلَةِ مَعْنًى، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَمْ يَكُنْ لِنُقْصَانِهَا وَجْهًا.
وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ، وَإِنَّمَا كَانَ الشَّافِعِيُّ يَرَى أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ إِلَى أَنْ أَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَنَّ عِنْدَهُمُ امْرَأَةً تَحِيضُ غَدْوَةً وَتَطْهُرُ عَشِيَّةً فَرَجَعَ إِلَى قَوْلِهِ، وَأَصَحُّ هَذِهِ الطُّرُقِ الثَّلَاثِ الطَّرِيقَةُ الْأُولَى أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَمِنَ التَّابِعِينَ عَطَاءٌ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ الْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ.
وَقَالَ أبو حنيفة: أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ.
وقال أبو يوسف: لعله يَوْمَانِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ، وَاسْتَدَلَّ ناصر أبي حنيفة لمذهبه بما روي عن عبد الله عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الثلاث يض " وَبِرِوَايَةِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال في المستحاضة: " تدع الصلاة أقراءها " قَالَ: وَأَقَلُّ مَا يَنْطَلِقُ ذِكْرُ الْأَيَّامِ ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةٌ، قَالَ وَقَدْ رَوَى الْجَلْدُ بْنُ أَيُّوبَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قُرْءُ الْحَيْضِ ثَلَاثٌ أَرْبَعٌ خمس حتى انتهى إلى عشر.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثٌ، وَهَذَانِ صحابيان لا يقولان ذلك، إلا عن توقيف؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهِ، قَالَ: وَلِأَنَّ مَا نَقَصَ مِنَ الثَّلَاثِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا قِيَاسًا عَلَى مَا نَقَصَ اليوم والليلة.
دليلنا قوله تعالى: {وَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} (البقرة: ٢٢٢) فلما أطلق ذكره ولم يحد قدره فَكَانَ الرُّجُوعُ فِيهِ عِنْدَ عَدَمِ حَدِّهِ فِي الشرع إلى العرف والعادة، وكالقصر واليوم والليلة موجود في العرف والعادة، وإن كان مختلفاً بِاخْتِلَافِ الْأَبْدَانِ وَالْأَسْفَارِ وَالْبُلْدَانِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَوَجَدْتُ نِسَاءَ مَكَّةَ وَتِهَامَةَ يَحِضْنَ يَوْمًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute