أَحَدُهُمَا: أِنَّهُ لَا حُكْمَ لِرِضَاهُ، لِأَنَّهُ بِالصِّغَرِ خَارِجٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الرِّضَا، فَعَلَى هَذَا لَا تُطَلَّقُ بِرِضَاهُ فِي صِغَرِهِ، من غير أهل الرضى، ولا تطلق برضاه في كبره لتراخي الرضى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ ضَعِيفٌ أِنَّهَا تُطَلَّقُ بِقَوْلِهِ فِي صِغَرِهِ: قَدْ رَضِيتُ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الطَّلَاقِ بِالصِّفَةِ، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ زَيْدٌ وَكَانَ زَيْدٌ صَغِيرًا فَقَالَ: قَدْ شِئْتُ كَانَ وُقُوعُ طَلَاقِهَا عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ فَقَالَتْ: قَدْ شِئْتُ. كَانَ وُقُوعُ طَلَاقِهَا عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ. وَلَكِنْ لَوْ قَالَ لِلْبَالِغِ وَهِيَ سَكْرَى مِنْ شَرَابٍ مُحَرَّمٍ، أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ فَشَاءَتْ فِي سُكْرِهَا طُلِّقَتْ لِأَنَّ السَّكْرَانَ فِي حُكْمِ الصَّاحِي، وَلَوْ قَالَ لَهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، فَطُلِّقَتْ وَجْهًا وَاحِدًا كَمَا لَوْ عَلَّقَ ذَلِكَ بِدُخُولِ مَنْ لَا قَصْدَ لَهُ مِنْ حِمَارٍ أَوْ بَهِيمَةٍ طُلِّقَتْ.
(فَصْلٌ:)
وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ، فَقَالَتْ: قَدْ شِئْتُ إِنْ شِئْتَ. فَقَالَ الزَّوْجُ: قَدْ شِئْتُ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أِنَّ الطَّلَاقَ وَاقِعٌ لِحُصُولِ مَشِيئَتِهَا بِمَشِيئَةِ الزَّوْجِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَوْلَاهُمَا - أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أِنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا يَقْتَضِي وُجُودَ مَشِيئَةٍ مُطْلَقَةٍ، وَهَى عَلَّقَتْ مَشِيئَتَهَا بِمَشِيئَةِ الزَّوْجِ فَكَانَتْ مِنْهُ غَيْرَ مُطْلَقَةٍ.
وَالثَّانِي: أِنَّ تَعْلِيقَ الْمَشِيئَةِ بِالصِّفَةِ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ إِنْ قَامَ زيد لم تصح، كَذَلِكَ إِذَا عَلَّقَتْ مَشِيئَتَهَا بِمَشِيئَةِ الزَّوْجِ.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إِلَّا أَنْ تَشَائِي ثَلَاثًا، فَقَالَتْ: قَدْ شِئْتُ ثَلَاثًا لَمْ تُطَلَّقْ وَاحِدَةً وَلَا ثَلَاثًا، لِأَنَّهُ جَعَلَ وُقُوعَ الْوَاحِدَةِ مَشْرُوطًا بِأَنْ لَا تَشَاءَ ثَلَاثًا، فَإِذَا شَاءَتْ ثَلَاثًا عُدِمَ الشَّرْطُ فِي الْوَاحِدَةِ فَلَمْ تَقَعْ. فَأَمَّا الثَّلَاثُ فَالْمَشِيئَةُ فِيهَا شَرْطٌ فِي رَفْعِ الْوَاحِدَةِ، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي وُقُوعِ الثَّلَاثِ والله أعلم.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: (وَلَوْ قَالَ إِنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وُقِفَ عَنْهَا حَتَّى تَمُرَّ لَهَا دَلَالَةٌ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنَ الْحَمْلِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا قَوْلُهُ: إِنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَعْنَاهُ إِنْ كُنْتِ حَائِلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا أَوْ حَائِلًا، فَإِذَا نَفَاهُ عَنْ أَحَدِهِمَا تَعَلَّقَ بِالْآخَرِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالظَّاهِرُ عِنْدَ اشْتِبَاهِ حَالِهَا أَنَّهَا حائل، فيحرم عليه وطئها، لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا، وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِعِدَّةِ حُرَّةٍ، ثَلَاثَةَ أَقْرَاءٍ هِيَ أَطْهَارٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute