وَالثَّانِي: إنَّهُ لَمَّا جَازَ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ فِي قَتْلِ الْمُشْرِكِينَ مَعَ وُجُودِ الِاسْمِ، وَجَازَ تَجَاوُزُ النَّصِّ فِي ثُبُوتِ الرِّبَا فِي الْبُرِّ أَنَّ مَا لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْبُرِّ وَجَبَ اعْتِبَارُ مِثْلِهِ فِي الْأَيْمَانِ فَيَخُصُّ عُمُومَهَا بِالْعُرْفِ تَارَةً مَعَ وُجُودِ الِاسْمِ وَيَتَخَطَّاهُ بِالْعُرْفِ تَارَةً مَعَ عَدَمِ الِاسْمِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ الِاسْمِ وَإِسْقَاطِ السَّبَبِ هُوَ أَنَّ السَّبَبَ قَدْ يَتَجَرَّدُ عَنِ الْيَمِينِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ، وَقَدْ تَنْفَرِدُ الْيَمِينُ عَنْ سَبَبٍ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا الْحُكْمُ، فَوَجَبَ إِذَا اجْتَمَعَا وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْيَمِينِ دُونَ السَّبَبِ لأمرين:
أحدها: لِقُوَّةِ الْيَمِينِ عَلَى السَّبَبِ.
وَالثَّانِي: لِحُدُوثِ الْيَمِينِ وَتَقَدُّمِ السَّبَبِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لاَ يُؤَاخُِذُكُمْ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَدْتُمْ الأَيْمَانَ) {المائدة: ٨٩) وَلِأَنَّ مَا لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ حَقِيقَةُ الِاسْمِ الْمُظْهَرِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَيْمَانِ مُعْتَبَرًا أَلَا تَرَاهُ لَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا، وَقَطَعَ كَلَامَهُ، وَقَالَ: أَرَدْتُ لَا كَلَّمْتُ زَيْدًا، لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ كَلَامِهِ، وَإِنْ أَرَادَهُ بِقَلْبِهِ وَقَرَنَهُ بِيَمِينِهِ فَلِأَنْ لَا تَنْعَقِدَ عَلَى السَّبَبِ الَّذِي يَقْتَرِنُ بِالْيَمِينِ وَلَمْ يَعْتَقِدْ بِالْقَلْبِ أَوْلَى، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّمَا أَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ وَيَتَوَلَّى اللَّهُ السَّرَائِرَ ".
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى إِلْغَاءِ السَّبَبِ بِأَنَّ رَجُلًا لَوْ وَهَبَ لِرَجُلٍ مَالًا فَحَلَفَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لِيَضْرِبَنَّ الْوَاهِبَ. حَنِثَ إِنْ لَمْ يَضْرِبْهُ، وَإِنْ كَانَ يَمِينُهُ مُخَالِفَةً لِمَا تَقَدَّمَهَا مِنَ السَّبَبِ، وَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مِنَ اعْتِبَارِ الْأَسْبَابِ أَنْ لَا يُحَنِّثَهُ فِيهَا وَإِنْ لَمْ نَقُلْهُ فَدَلَّ عَلَى فَسَادِ اعْتِبَارِهِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ فِي الْأَيْمَانِ تَخْصِيصُ عُمُومِهَا بِالْعُرْفِ جَازَ تَخَطِّي خُصُوصِهَا بِالْعُرْفِ، فَهُوَ أَنَّ الْعُرْفَ مِنْ تَخْصِيصِهَا مُقَارَنٌ بِعَقْدِهَا فَجَازَ اعْتِبَارُهُ وَالْعُرْفُ فِي تَخَطِّي خُصُوصِهَا مُفَارِقٌ فَلَمْ يَجُزِ اعْتِبَارُهُ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ فِي أُصُولِ الشَّرْعِ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ مَعَ وُجُودِ الِاسْمِ وَجَازَ تَجَاوُزُ النَّصِّ فِي ثُبُوتِ الرِّبَا فِي الْبُرِّ إِلَى مَا لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْبُرِّ كَذَلِكَ فِي الْأَيْمَانِ فَهُوَ أَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ يُجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ اعْتِبَارِ الْأَسَامِي وَالْمَعَانِي، وَأَحْكَامَ الْأَيْمَانِ مُعْتَبَرَةٌ بِالْأَسَامِي دُونَ الْمَعَانِي، لِأَنَّ الضَّرُورَةَ دَعَتْ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ إِلَى اعْتِبَارِ الْمَعَانِي وَتَجَاوُزِ الْأَسَامِي، وَلَمْ تَدْعُ الضَّرُورَةُ فِي الْأَيْمَانِ إِلَى اعْتِبَارِ الْمَعَانِي، فَوَقَفَتْ عَلَى اعْتِبَارِ الأسامي والله أعلم.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: " وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ بَيْتَ فلانٍ فدخل بيتاً سكنه فلانٌ بكراءٍ لَمْ يَحْنَثْ إِلَّا بِأَنْ يَكُونَ نَوَى مَسْكَنَ فلانٍ فَيَحْنَثَ ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute