للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَصَاصًا أَوْ زُجَاجًا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ صَارَ فِيهِ كَالْمَغْلُوبِ وَالنَّاسِي، فَيَكُونُ فِي حِنْثِهِ قَوْلَانِ.

أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ اعْتِبَارًا بِوُجُودِ الْفِعْلِ وَإطرَاحًا لِلْقَصْدِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَحْنَثُ اعْتِبَارًا بِالْقَصْدِ وَإطرَاحًا لِلْفِعْلِ.

وَأَمَّا إِذَا وَجَدَهُ مَعِيبًا، وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْحَقِّ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عَيْبُهَا يُخْرِجُهَا مِنَ انْطِلَاقِ اسْمِ الْحَقِّ عَلَيْهَا، لِأَنَّ حَقَّهُ دَنَانِيرُ مَغْرِبِيَّةٌ فَأَعْطَاهُ دَنَانِيرَ مَشْرِقِيَّةً، فَتَكُونُ خِلَافَ الصِّفَةِ فِي الْيَمِينِ جَارِيًا مَجْرَى خِلَافِ الْجِنْسِ، فَإِنْ عَلِمَ بِهِ قَبْلَ فِرَاقِهِ حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إِلَّا بَعْدَ فِرَاقِهِ كَانَ حِنْثُهُ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْقَوْلَيْنِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَيْبُهَا لَا يُخْرِجُهَا مِنَ انْطِلَاقِ اسْمِ الْحَقِّ عَلَيْهَا، بِأَنْ تَكُونَ دَنَانِيرَ مَغْرِبِيَّةً لَكِنَّهَا مَعِيبَةٌ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ عَيْبُهَا مِمَّا يُسْمَحُ بِهِ فِي الْأَغْلَبِ لِقِلَّة أَرْشِهِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَ ضِدَّ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ أَرْشِهِ حَنِثَ.

فَإِنْ قِيلَ: نُقْصَانُ الْقَدْرِ مُوجِبٌ لِلْحِنْثِ فِيمَا قَلَّ وَكَثُرَ فَهَلَّا كَانَ نُقْصَانُ الْأَرْشِ بِمَثَابَتِهِ فِي وُقُوعِ الْحِنْثِ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ قِيلَ: لِأَنَّ نُقْصَانَ الْقَدْرِ مُسْتَحَقٌّ يَمْنَعُ مِنَ التَّمَاثُلِ فِي الرِّبَا وَنُقْصَانَ الْأَرْشِ مَظْنُونٌ لَا يَمْنَعُ مِنَ التَّمَاثُلِ فِي الرِّبَا وَيَمْنَعُ مِنَ الْبِرِّ فِي الْيَمِينِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا يَنْكَسِرُ بِكَثِيرِ الْأَرْشِ لَا يَمْنَعُ مِنَ التَّمَاثُلِ فِي الرِّبَا وَيَمْنَعُ مِنَ الْبِرِّ فِي الْيَمِينِ، قِيلَ: لِأَنَّ الظَّنَّ فِي كَثِيرِهِ أَقْوَى، وَفِي قَلِيلِهِ أَضْعَفُ فَافْتَرَقَا فِي بِرِّ الْيَمِينِ وَإِنِ اسْتَوَيَا فِي تماثل الربا.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وَلَوْ أَخَذَ بِحَقِّهِ عَرَضًا فَإِنْ كَانَ قِيمَةَ حَقِّهِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ حَنِثَ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ حَتَّى لَا يَبْقَى عَلَيْكَ مِنْ حَقِّي شيءٌ فَلَا يَحْنَثُ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) رحمه الله: لَيْسَ لِلْقِيمَةِ مَعْنًى لِأَنَّ يَمِينَهُ إِنْ كَانَتْ على عين الْحَقِّ لَمْ يَبَرَّ إِلَّا بِعَيْنِهِ وَإِنْ كَانَتْ على البراءة فقد برئ والعرض غير الحق سوى أو لم يسو ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا أَنْ يَحْلِفَ صَاحِبُ الْحَقِّ عَلَى غَرِيمِهِ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْهُ فَيَأْخُذَ مِنْهُ عِوَضَ حَقِّهِ مَتَاعًا أَوْ عَرُوضًا أَوْ يَأْخُذَ بَدَلَ الدَّرَاهِمَ دَنَانِيرَ أَوْ بَدَلَ الدَّنَانِيرِ دَرَاهِمَ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي بِرِّهِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ لَا يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ، وَيَحْنَثُ سَوَاءٌ كَانَ مَا أَخَذَهُ بِقِيمَةِ حَقِّهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ.

وَالثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّهُ يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ وَلَا يَحْنَثُ، سَوَاءٌ كَانَ بِقِيمَةِ حَقِّهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>