للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْحَدِّ لَهَا مَخْرَجٌ، وَلَهُ مِنْ وُجُوبِ الْحَدِّ لِزَوْجَتِهِ مَخْرَجٌ بِاللِّعَانِ فَصَارَتْ بِهَذَيْنِ أَحَقَّ بِالتَّقَدُّمِ، وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ: تُقَدَّمُ مُطَالَبَةُ الزَّوْجَةِ عَلَى مُطَالَبَةِ أُمِّهَا، وَلِهَذَا الْقَوْلِ عِنْدِي وَجْهٌ، لِأَنَّهُ قَدَّمَ قَذْفَ الزَّوْجَةِ عَلَى قَذْفِ أُمِّهَا فِي قَوْلِهِ يَا زَانِيَةُ بِنْتَ الزَّانِيَةِ فَصَارَتْ لِتَقَدُّمِ قَذْفِهَا أَحَقَّ بِالتَّقَدُّمِ، فَإِنْ قُدِّمَتِ الْأُمُّ فِي الْمُطَالَبَةِ فَحُدَّ لَهَا ثُمَّ طَالَبَتْهُ الْبِنْتُ، فَإِنْ أَجَابَ فِي مُطَالَبَتِهَا إِلَى اللِّعَانِ الْتَعَنَ مِنْهَا لِوَقْتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُجِبْ إِلَى اللِّعَانِ حُبِسَ وَلَمْ يُجْلَدْ لِوَقْتِهِ حَتَّى يَبْرَأَ جِلْدُهُ ثُمَّ يُحَدُّ لَهَا وَلَا يُوَالَى عَلَيْهِ بَيْنَ حَدَّيْنِ فَيُفْضِي إِلَى التَّلَفِ، وَهَكَذَا لَوْ قُدِّمَتِ الزَّوْجَةُ فِي الْمُطَالَبَةِ فَإِنِ الْتَعَنَ مِنْهَا حُدَّ لِلْأُمِّ لِوَقْتِهِ، وَإِنْ حُدَّ لِلزَّوْجَةِ وَلَمْ يَلْتَعِنَ مِنْهَا لَمْ يُحَدَّ فِي وَقْتِهِ لِلْأُمِّ، وَحُبِسَ لَهَا حَتَّى يَبْرَأَ جِلْدُهُ ثُمَّ يُحَدُّ لِئَلَّا يُوَالَى عَلَيْهِ بَيْنَ حَدَّيْنِ فَإِنْ قِيلَ أَفَلَيْسَ لَوْ قُطِعَ يَمِينُ يَدٍ مِنْ رَجُلٍ، وَيُسْرَى يَدٍ مِنْ آخَرَ، اقْتَصَصْنَا مِنْ يُمْنَاهُ وَيُسْرَاهُ لِوَقْتِهِ، وَجَمَعْنَا عَلَيْهِ بَيْنَ قِصَاصَيْنِ وَإِنْ أَفْضَى إِلَى تَلَفِهِ، فَهَلَّا كَانَ فِي الْحَدِّ كَذَلِكَ؟ قِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحَدَّ مُقَدَّرٌ بِالشَّرْعِ، فَوَجَبَ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ بِزِيَادَةٍ، وَالْقِصَاصَ مُقَدَّرٌ بِالْجِنَايَةِ فَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِطُ بِزِيَادَةٍ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ الْقِصَاصَيْنِ لِأَنَّهُمَا قَدْ يَجْتَمِعَانِ فِي حَقِّ شَخْصٍ واحد، ولم يجمع بين الحدين، لأنهما لا يَجْتَمِعَانِ فِي حَقِّ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمَتَى أَبَى اللِّعَانَ فَحَدَدْتُهُ إِلَّا سَوْطًا ثَمَّ قَالَ أَنَا ألْتَعِنُ قَبِلْتُ رُجُوعَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِيمَا مَضَى مِنَ الضَّرْبِ كَمَا يَقْذِفُ الْأَجْنَبِيَّةَ وَيَقُولُ لَا آتِي بِشُهُودٍ فَيُضْرَبُ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا آتِي بِهِمْ فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إِذَا لَمْ تَلْتَعِنْ فَضُرِبَتْ بَعْضَ الْحَدِّ ثَمَّ تَقُولُ أَنَا أَلْتَعِنُ قَبِلْنَا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا امْتَنَعَ الزَّوْجُ بَعْدَ قَذْفِهِ مِنَ اللِّعَانِ فَحُدَّ بَعْضَ الْحَدِّ أَوْ أَكْثَرَهُ إِلَّا سَوْطًا ثُمَّ أَجَابَ إِلَى اللِّعَانِ كَانَ لَهُ أَنْ يَلْتَعِنَ وَهَكَذَا الزَّوْجَةُ إِذَا لَاعَنَهَا وَامْتَنَعَتْ مِنَ اللِّعَانِ بَعْدَهُ فحدث بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ أَجَابَتْ إِلَى اللِّعَانِ جَازَ لَهَا أَنْ تَلْتَعِنَ، وَحَكَى بَعْضُ أَصْحَابِ الْخِلَافِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مَتَى أَجَابَ الزَّوْجُ إِلَى اللِّعَانِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي حَدِّهِ لَمْ يجب إِلَيْهِ، وَاسْتوفى، وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِأَصْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ بِقَذْفِ الزَّوْجِ حَدًّا عَلَيْهِ، وَيَحْبِسُهُ حَتَّى يُلَاعِنَ، وَلَا يُوجِبُ بِلِعَانِهِ حَدًّا عَلَيْهَا وَيَحْبِسُهَا حَتَّى تُلَاعِنَ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْمَحْكِيُّ عَنْهُ مَذْهَبًا لَهُ نَاقَضَ أَصْلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْهَبًا لَهُ فَنَسْتَدِلُّ عَلَى فَسَادِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبًا لِغَيْرِهِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ اللِّعَانِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْحَدِّ، شيئان:

<<  <  ج: ص:  >  >>