للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِي النَّقْلِ يَمْنَعُ مِنَ الْأَخْذِ بِأَحَدِهَا إِلَّا بِدَلِيلٍ، فَحَسُنَ أَنْ يَقُولَ: لَا أَعْرِفُ إِثْبَاتَ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ كُنْتُ أَعْرِفُ نَقْلَ جَمِيعِهَا.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إِلَّا بِظَنٍّ مَقْرُونٍ إِلَى عِلْمٍ " فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مُرَادِهِ بِهِ عَلَى مَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى فَتْحِهَا أَوْ عَلَى حُكْمِهَا عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى فَتْحِهَا أَنَّهُ عَنْوَةٌ لَا صُلْحًا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حُكْمِهَا أَنَّهَا وَقْفٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ فَتْحُهَا، فَفِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: " إِلَّا بِظَنٍّ مَقْرُونٍ إِلَى عِلْمٍ " وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَرَادَ بِالظَّنِّ هُنَا الِاجْتِهَادَ الَّذِي هُوَ غَلَبَةُ الظَّنِّ وَأَرَادَ بِالْعِلْمِ الْخَبَرَ، لِأَنَّ جِنْسَ الْأَخْبَارِ قَدْ يُفْضِي إِلَى الْعِلْمِ، فَكَأَنَّهُ تَوَصَّلَ بِاجْتِهَادِهِ وَغَلَبَةِ ظَنِّهِ إِلَى إِثْبَاتِ خَبَرِ جَرِيرٍ، وَعَلِمَ مِنْ خَبَرِ جَرِيرٍ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الِاجْتِهَادَ وَغَلَبَةَ الظَّنِّ هُوَ فِيمَا خَفِيَ وَاشْتَبَهَ مَنْ سَبَبِ فَتْحِهَا وَالْعِلْمُ هُوَ فِيمَا ظَهَرَ وَانْتَشَرَ مِنْ قَسْمِهَا، فَاسْتَدَلَّ بِظَاهِرِ الْقِسْمَةِ عَلَى بَاطِنِ الْعَنْوَةِ.

وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ حُكْمُهَا، لِأَنَّهَا وَقْفٌ، فَفِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: إِلَّا بِظَنٍّ مَقْرُونٍ إِلَى عِلْمٍ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعِلْمَ مَا فَعَلَهُ عُمَرُ مِنَ اسْتِنْزَالِهِمْ عَنْهَا، وَغَلَبَةَ الظَّنِّ فِيمَا حَكَمَ بِهِ مِنْ وَقْفِهَا.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْعِلْمَ وَضْعُ الْخَرَاجِ عَلَيْهَا، وَغَلَبَةَ الظَّنِّ فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهَا. وَاللَّهُ أعلم.

[(مسألة)]

: قال الشافعي: " وَأَيُّ أَرْضٍ فُتِحَتْ صُلْحًا عَلَى أَنَّ أَرْضَهَا لأهلها يودون فِيهَا خَرَاجًا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَخْذُهَا مِنْ أَيْدِيهِمْ وَمَا أُخِذَ مِنْ خَرَاجِهَا فَهُوَ لِأَهْلِ الْفَيْءِ دون أهل الصدقات لأنه فيء من مال مشرك وإنما فرق بين هذه المسألة والمسألة قبلها أن ذلك وإن كان من مشرك فقد ملك المسلمون رقبة الأرض أفليس بحرام أن يأخذ منه صاحب صدقة ولا صاحب فيء ولا غني ولا فقير لأنه كالصدقة الموقوفة يأخذها من وقفت عليه "

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ مَا اسْتُولِيَ عَلَيْهِ من أرض بلاد الترك يَنْقَسِمُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>