وَذِكْرُ الْأَمْرِ أَوْلَى مِنَ الْعِلْمِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَبَضَهَا مَنْ لَمْ يَأْمُرْهُ، فَلَا يَبْرَأُ بِهِ.
ثُمَّ يَقُولُ: وَلَا أَحَالَ بِهَا عَلَيْهِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَلَا أَبْرَأَهُ مِنْهَا، وَلَا عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا. وَزَادَ الشَّافِعِيُّ فِي " الْأُمِّ ": " وَلَا كَانَ مِنْهُ مَا يَبْرَأُ بِهِ مِنْهَا، وَلَا مِنْ شَيْءٍ مِنْهَا " يَعْنِي: مِنْ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ أَوْ إِتْلَافٍ لِمَالِهِ بِقَدْرِ دَيْنِهِ، وَيَقُولُ: وَإِنَّهَا لَثَابِتَةٌ عَلَيْهِ إِلَى وَقْتِ يَمِينِهِ هَذِهِ.
فَهَذِهِ سِتَّةُ أَشْيَاءَ ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ فِي اشْتِمَالِ يَمِينِهِ عَلَيْهَا، اخْتَصَّ الشَّافِعِيُّ بِذِكْرِهَا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُهُ أَنَّ السَّادِسَ مِنْهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: " وَإِنَّهَا لَثَابِتَةٌ عَلَيْهِ إِلَى وَقْتِ يَمِينِهِ " أَنَّهُ اسْتِظْهَارٌ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لِتَشْتَمِلَ على أنواع البراءات، فينتهي بهما احْتِمَالُ التَّأْوِيلِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ اسْتِظْهَارٌ، وَلَوِ اقْتَصَرَ فِي يَمِينِهِ عَلَى أَنْ قال: ما برىء إِلَيَّ مِنْهَا، وَلَا مِنْ شَيْءٍ مِنْهَا، لَعَمَّ فِي الْحُكْمِ جَمِيعَ أَنْوَاعِهَا مِنْ قَبْضٍ وَحَوَالَةٍ وَإِبْرَاءٍ، وَمَا يُوجِبُ الْإِبْرَاءَ.
(فَصْلٌ)
: وَإِنْ خَصَّ بِنَوْعِ الْإِبْرَاءِ مَا يَعُمُّ، فَقَالَ: دَفَعْتُهَا إِلَيْهِ أَوْ قَالَ: أَحَالَ بِهَا عَلَيَّ، أَوْ قَالَ: أَبْرَأَنِي مِنْهَا، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا: هَلْ تَكُونُ يَمِينُهُ مَقْصُورَةً عَلَى النَّوْعِ الَّذِي ادَّعَاهُ أَوْ مُشْتَمِلَةً عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْوَاعِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ ظَاهِرُ مَا أَطْلَقَهُ الشَّافِعِيُّ: أَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى عُمُومِ أَنْوَاعِ الْبَرَاءَاتِ فِي ذِكْرِ الْأَنْوَاعِ الْخَمْسَةِ، لِأَنَّهَا أَنْفَى لِلِاحْتِمَالِ، وَهَلْ تَكُونُ عَلَى الِاحْتِيَاطِ أَوْ عَلَى الْوُجُوبِ؟ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ أَنَّ يَمِينَهُ تَكُونُ مَقْصُورَةً عَلَى النَّوْعِ الَّذِي ادَّعَى الْبَرَاءَةَ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ، لِأَنَّ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ لَمْ يُتَبَرَّعْ بِهِ لَهُ، وَمَا لَمْ يَدَّعِهِ لَمْ يَحْلِفْ عَلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[(مسألة)]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ أُحْلِفَ قَالَ وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَعْلَمُ مِنَ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنَ الْعَلَانِيَةِ ثُمَّ يَنْسِقُ الْيَمِينَ ".