أَرَادَ رَبُّ النَّخْلِ بِدَعْوَى السَّرِقَةِ الْغُرْمَ لَمْ تُسْمَعِ الدَّعْوَى مِنْهُ إِلَّا مَعْلُومَةً، وَإِنْ أَرَادَ رَفْعَ يَدِ الْعَامِلِ بِهَا عَنِ الثَّمَرَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: تُسْمَعُ مَجْهُولَةً لِاسْتِوَاءِ الْحُكْمِ فِي رَفْعِ يَدِهِ بِقَلِيلِ السَّرِقَةِ وَكَثِيرِهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تُسْمَعُ إِلَّا مَعْلُومَةً، لِأَنَّ رَفْعَ يَدِهِ بِهَا فَرْعٌ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْغُرْمِ فِيهَا، فَصَارَ حكم الغرم أغلب.
[مسألة]
قال المزني رحمه الله تعالى: " فَإِنْ أَنْفَقَ رَبُّ النَّخْلِ كَانَ مُتَطَوِّعًا بِهِ وَيَسْتَوْفِي الْعَامِلُ شَرْطَهُ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ وَإِنْ مَاتَ قَامَتْ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صحيح، لأن عقد المساقاة لازم لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَإِنْ مَاتَ رَبُّ النَّخْلِ كَانَ الْعَامِلُ عَلَى عَمَلِهِ مِنَ الثَّمَرَةِ قَدْرَ شَرْطِهِ، وَالْبَاقِي مَقْسُومٌ بَيْنَ وَرَثَةِ رَبِّ النَّخْلِ عَلَى فَرَائِضِهِمْ، وَإِنْ مَاتَ الْعَامِلُ فَإِنْ قَامَ وارثته بِبَاقِي الْعَمَلِ أَخَذَ حِصَّةَ الْعَامِلِ فِي الثَّمَرَةِ وَإِنِ امْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْعَمَلِ، لِأَنَّ مَا لَزِمَ الْمَيِّتَ مِنْ حَقٍّ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِتَرِكَةٍ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِوَارِثٍ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُعَادِي عَلَى الْعَامِلِ مِنْ تَرِكَةِ مَنْ يَقُومُ مقامه من الباقي من عمله وإن لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يستدان عليه بخلاف الهارب، لأن الميت لا ذمة له وَيَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِ الْهَارِبِ إِذَا تَقَرَّرَتِ الِاسْتِدَانَةُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
قال المزني رحمه الله تعالى: " وَلَوْ عَمِلَ فِيهَا الْعَامِلُ فَأَثْمَرَتْ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَبُّهَا أَخَذَهَا وَثَمَّرَهَا وَلَا حَقَّ عَلَيْهِ فِيمَا عَمِلَ فِيهَا الْعَامِلُ لِأَنَّهَا آثارٌ لَا عينٌ وَرَجَعَ الْعَامِلُ عَلَى الدَّافِعِ بِقِيمَةِ عملٍ فَإِنِ اقْتَسَمَا الثَّمَرَةَ فَأَكَلَاهَا ثُمَّ اسْتَحَقَهَا رَبُّهَا رَجَعَ عَلَى كُلِّ واحدٍ مِنْهُمَا بِمَكِيلَةِ الثَّمَرَةِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا الدَّافِعُ لَهَا وَرَجَعَ الدَّافِعُ عَلَى الْعَامِلِ بِالْمَكِيلَةِ الَّتِي غَرِمَهَا وَرَجَعَ الْعَامِلُ عَلَى الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ بِأَجْرِ مِثْلِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ سَاقَى رَجُلًا عَلَى نَخْلٍ فِي يَدِهِ، ثُمَّ اسْتُحِقَّتِ النَّخْلُ مِنْ يَدِ الْعَامِلِ فَلَا يَخْلُو حَالُ الْعَامِلِ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِ النَّخْلِ مِنْ يَدِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَمِلَ فِيهَا عَمَلًا أَمْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ عَمِلَ فِيهَا عَمَلًا فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمُسَاقِي وَلَا عَلَى رَبِّ النَّخْلِ، وَإِنْ عَمِلَ فِيهَا عَمَلًا فَلَا يَخْلُو حَالُ النَّخْلِ مِنْ أَنْ تَكُونَ قَدْ أَثْمَرَتْ أَوْ لَمْ تُثْمِرْ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أَثْمَرَتِ اسْتَرْجَعَهَا رَبُّهَا وَلَا شَيْءَ لَهُ سِوَاهَا، وَلِلْعَامِلِ عَلَى المساقي أجرة مثل علمه، لِأَنَّهُ قَدْ فَوَّتَ عَلَيْهِ عَمَلَهُ عَلَى عِوَضٍ فَاسِدٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَمَلِ، وَهُوَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ.
وَإِنْ أَثْمَرَتِ النَّخْلُ فَلَا يَخْلُو حَالُ الثَّمَرَةِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاقِيَةً بِيَدِهِ، فَيَرْجِعُ رَبُّ النَّخْلِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَامِلِ وَالْمُسَاقِي بِمَا حَصَلَ بِيَدِهِ مِنَ الثَّمَرَةِ، لِأَنَّ نَمَاءَ الْمَغْصُوبَ حَادِثٌ عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ، دُونَ غَاصِبِهِ. ثُمَّ لِلْعَامِلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُسَاقِي بِأُجْرَةِ مِثْلِ عَمَلِهِ لِتَفْوِيتِهِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فإن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute