للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: ٩] فَكَانَ مَعْنَى نَهْيِهِ عَنِ الْبَيْعِ أَنَّهُ شَاغِلٌ عَنْ حُضُورِ الْجُمُعَةِ، فَكَانَتْ عُقُودُ الْمَنَاكِحِ وَالْإِجَارَاتِ وَسَائِرِ الْأَعْمَالِ وَالصَّنَائِعِ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ، لِأَنَّهُ شَاغِلٌ عَنْ حُضُورِ الْجُمُعَةِ. فَهَذَا الضَّرْبُ لَا يَجُوزُ بِهِ النَّسْخُ.

وَيَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَإِنْ مَنَعَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ لِخُرُوجِهِ عَنِ الْجَلَاءِ بِالِاسْتِدْلَالِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِجَلَاءِ الِاسْتِدْلَالِ كَالْجَلِيِّ بِغَيْرِ اسْتِدْلَالٍ.

فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ هِيَ ضُرُوبُ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ، يَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ بِهَا الْإِجْمَاعُ وينقض بها حكم من خالفا من الحكام.

[(فصل: القياس الخفي)]

:

وَأَمَّا الْقِيَاسُ الْخَفِيُّ: فَهُوَ مَا خَفِيَ مَعْنَاهُ فَلَمْ يُعْرَفْ إِلَّا بِالِاسْتِدْلَالِ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ فِي الْفَرْعِ مُسَاوِيًا لِمَعْنَى الْأَصْلِ.

وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:

أَحَدُهَا: مَا كَانَ مَعْنَاهُ لَائِحًا.

وَالثَّانِي: مَا كَانَ مَعْنَاهُ غَامِضًا.

وَالثَّالِثُ: مَا كَانَ مَعْنَاهُ مُشْتَبِهًا.

فَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ مَا كَانَ مَعْنَاهُ لَائِحًا يُعْرَفُ بِاسْتِدْلَالٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ فَمِثْلُ قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] فَكَانَتْ عَمَّاتُ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ فِي التَّحْرِيمِ قِيَاسًا عَلَى الْعَمَّاتِ. وَخَالَاتُ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ فِي التَّحْرِيمِ قِيَاسًا عَلَى الْخَالَاتِ. لِاشْتِرَاكِهِنَّ فِي الرَّحِمِ، وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى فِي نَفَقَةِ الْوَلَدِ فِي صِغَرِهِ: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] فَكَانَتْ نَفَقَةُ الْوَالِدِ عِنْدَ عَجْزِهِ فِي كِبَرِهِ قِيَاسًا عَلَى نَفَقَةِ الْوَلَدِ لِعَجْزِهِ بِصِغَرِهِ.

وَالْمَعْنَى فِي هَذَا الضَّرْبِ لَائِحٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْجَلِيِّ وَالْخَفِيِّ وَهُوَ مِنْ ضُرُوبِ الْخَفِيِّ بِمَنْزِلَةِ الْأَوَّلِ مِنْ ضُرُوبِ الْجَلِيِّ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ الْإِجْمَاعُ بِمِثْلِهِ وَيُنْقَضَ بِهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ إِذَا خَالَفَهُ.

وَفِي جَوَازِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِهِ وَجْهَانِ:

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: وَهُوَ مَا كَانَ مَعْنَاهُ غَامِضًا لِلِاسْتِدْلَالِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ فَتَقَابَلَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>