وَقَالَ أبو حنيفة: يَلْزَمُهُ حَطِيطَةُ الرِّبْحِ وَالْإِخْبَارَ بِأَنَّ ثَمَنَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا لِأَنَّهُ يَقُومُ عَلَيْهِ بِهِ وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ قَدِ انْقَضَى فَلَمْ يَجُزِ اعْتِبَارُ حُكْمِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْ خَسِرَ فِي ثَمَنِهِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَزِيدَهَا عَلَى الثَّمَنِ الثَّانِي فَكَذَلِكَ إِذَا رَبِحَ فِيهِ خَمْسِينَ دِرْهَمًا لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَنْقُصَهَا مِنَ الثَّمَنِ الثَّانِي.
وَالْآخَرُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْ رَبِحَ فِيهِ مِثْلَ ثَمَنِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِمِثْلِ الرِّبْحِ كَأَنِ اشْتَرَاهُ أَوَّلًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبَاعَهُ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ جَازَ أَنْ يُخْبِرَ بِأَنَّ الثَّمَنَ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا كَانَ مِنَ الرِّبْحِ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الرِّبْحُ بَعْضَ ثَمَنِهِ. وَلَوِ اشْتَرَى الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ثَوْبًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبَاعَهُ الْعَبْدُ عَلَى سَيِّدِهِ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ إِذَا بَاعَ الثَّوْبَ بِإِخْبَارِ الشِّرَاءِ أَنْ يُخْبِرَ إِلَّا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ لِأَنَّ شِرَاءَ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ جَائِزٌ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَبْتَاعَهُ مِنْ عَبْدِهِ وَكَذَا لَوِ اشْتَرَى السَّيِّدُ ثَوْبًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبَاعَهُ عَلَى عَبْدِهِ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا لَمْ يَجُزْ إِذَا بَاعَهُ بِإِخْبَارِ الشِّرَاءِ أَنْ يُخْبِرَ إِلَّا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ. وَلَوْ دَفَعَ رَجُلٌ مَالًا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى الْعَامِلُ ثَوْبًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبَاعِهِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ دِرْهَمًا لَمْ يَجُزْ لِرَبِّ الْمَالِ إِذَا بَاعَهُ مُرَابَحَةً أَنْ يُخْبِرَ بِالثَّمَنِ إِلَّا بِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا لِأَنَّ نِصْفَ الرِّبْحِ لَهُ.
[فصل:]
وإذا اشْتَرَى سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَأَرَادَ بَيْعَهَا مُرَابَحَةً كَانَ عَلَيْهِ فِي إِخْبَارِ الشِّرَاءِ أَنْ يَذْكُرَ تَأْجِيلَ الثَّمَنِ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ تَأْجِيلَهُ فَقَدْ حُكِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّ السِّلْعَةَ إِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً لَزِمَهُ الثَّمَنُ حَالًا.
وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي حَبْسَ الثَّمَنِ عَنِ الْبَائِعِ بَعْدَ ذَلِكَ الْأَجَلِ.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ جَوَازُ الْبَيْعِ وَيُخَيِّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ أَوْ إِمْضَائِهِ بِالثَّمَنِ الْحَالِّ لِأَنَّ الْأَجَلَ رِفْقٌ بِالْمُشْتَرِي لَا يَتَعَلَّقُ بِزِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ.
فَصْلٌ:
وَلَوِ اشْتَرَى ثَوْبًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَأَخْبَرَ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِتِسْعِينَ دِرْهَمًا فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَكُونُ كَاذِبًا فِي إِخْبَارِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَيْسَ بِكَاذِبٍ لِدُخُولِ التِّسْعِينَ فِي الْمِائَةِ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي إِذَا عَلِمَ بِذَلِكَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ كَاذِبٌ لِأَنَّ التِّسْعِينَ بَعْضُ الثَّمَنِ وَفِي مُقَابَلِهِ بَعْضُ الْمَبِيعِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْبِرَ بِأَنَّهَا جَمِيعُ الثَّمَنِ وَفِي مُقَابَلِهِ جَمِيعُ الْمَبِيعِ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي الْفَسْخِ إِذَا عَلِمَ بِذَلِكَ.
فَصْلٌ:
وَلَوِ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْبِرَ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ بِأَنَّ ثَمَنَ أَحَدِهِمَا مِائَةُ دِرْهَمٍ لِتَقَسُّطِ الثَّمَنِ عَلَى قِيمَتِهِمَا فَلَوْ قَوَّمَ أَحَدَهُمَا بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَقَوَّمَ الْآخَرَ بِثَمَانِينَ دِرْهَمًا لَمْ يَجُزْ إِلَّا أَنْ يُخْبِرَ بِذَلِكَ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ.