للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ الْقُبُلِ وَهُوَ أَنْ يَطَأَ فِي الْمَوْضِعِ الْمَكْرُوهِ مِنَ الْمَرْأَةِ أَوْ يَتَلَوَّطَ، أَوْ يَأْتِيَ بَهِيمَةً فَحُكْمُ ذَلِكَ عِنْدَنَا حُكْمُ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ فِي إِفْسَادِ الْحَجِّ وَوُجُوبِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ عَلَى مَا مَضَى.

وَقَالَ أبو حنيفة فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ: إِنَّهَا لَا تُفْسِدُ الْحَجَّ، وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ إِفْسَادُ الْحَجِّ بِالْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ قَالَ أبو يوسف ومحمد فِي اللِّوَاطِ بِقَوْلِنَا وَفِي إِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ يَقُولُ أبو حنيفة اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهُ جِمَاعٌ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْإِحْصَانُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَفْسُدَ بِهِ الْحَجُّ كَالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ.

وَدَلِيلُنَا عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ ولاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجِّ) {البقرة: ١٩٧) وَلِأَنَّهُ جِمَاعٌ يُوجِبُ الْغُسْلَ فَجَازَ أَنْ يُفْسِدَ الْحَجَّ كَالْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ، وَلِأَنَّ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ أَغْلَظُ مِنَ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ لِتَحْرِيمِهِ عَلَى التَّأْبِيدِ، فَلَمَّا كَانَ أَخَفُّهُمَا مُفْسِدًا لِلْحَجِّ فَأَغْلَظُهُمَا أَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا لِلْحَجِّ أَوْلَى، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ بِعِلَّةِ أو وَطْءٌ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْإِحْصَانُ فَفَاسِدٌ بِوَطْءِ الْإِمَاءِ يَفْسُدُ بِهِ الْحَجُّ وَلَا يَقَعُ بِهِ الإحصان، ثم المعنى في الوطء في الفرج وُجُوبُ الْغُسْلِ فِيهِ، وَالْوَطْءُ دُونَ الْفَرْجِ لَا يتعلق بوجوب الْغُسْلِ بِهِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِنْزَالِ إِنِ اقْتَرَنَ بِهِ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا إِذَا قَبَّلَ الْمُحْرِمُ زَوْجَتَهُ عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ سَفَرِهِ، فَإِنْ قَصَدَ بِالْقُبْلَةِ تحية القادم لغير شهرة فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَصَدَ بِهَا الشَّهْوَةَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَنْصَرِفُ ذَلِكَ إِلَى قُبْلَةِ التَّحِيَّةِ أَوْ إِلَى قُبْلَةِ الشَّهْوَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَنْصَرِفُ إِلَى قُبْلَةِ التَّحِيَّةِ اعْتِبَارًا بِظَاهِرِ الْحَالِ، فَعَلَى هَذَا لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَنْصَرِفُ إِلَى قُبْلَةِ الشَّهْوَةِ اعْتِبَارًا بِمَوْضُوعِ الْقُبْلَةِ، فَعَلَى هَذَا عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ.

مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قُوِّمَتِ الْبَدَنَةُ دَارَهِمَ بِمَكَّةَ والدراهم طعاما فإن لم يجد صام عن كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ كَفَّارَةَ الْوَاطِئِ فِي إحرامه المفسد له بوطئه " بدنة " ودليلنا عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ ثَابِتًا فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمُفْسِدُ " بَدَنَةً " " فَبَقَرَةً " فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَسَبْعًا مِنَ الْغَنَمِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَوَّمَ " الْبَدَنَةَ " دَرَاهِمَ بِمَكَّةَ وَالدَّرَاهِمَ طَعَامًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا فَجَعَلَ لِلْبَدَنَةِ أَرْبَعَةَ أَبِدَالٍ مُرَتَّبَةٍ، فَبَدَأَ بِالْبَدَنَةِ وَجَعَلَ الْبَقَرَةَ بَدَلًا مِنَ الْبَدَنَةِ، وَجَعَلَ السَّبْعَ مِنَ الْغَنَمِ بَدَلًا مِنَ الْبَقَرَةِ، وَجَعَلَ الطَّعَامَ بَدَلًا مِنَ الْغَنَمِ، وَجَعَلَ الصِّيَامَ بَدَلًا مِنَ الْإِطْعَامِ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَسَائِرِ أَصْحَابِهِ أَنَّ الْبَدَنَةَ وَالْبَقَرَةَ وَالْغَنَمَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ فِي التَّرْتِيبِ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَالْغَنَمِ هَلْ هِيَ عَلَى التَّرْتِيبِ أَوْ عَلَى التَّخْيِيرِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَنْصُوصٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهَا عَلَى التَّرْتِيبِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَيَبْدَأُ بِبَدَنَةٍ تَجُوزُ أُضْحِيَّةً فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبَقَرَةٌ تَجُوزُ أُضْحِيَّةً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَسَبْعًا مِنَ الْغَنَمِ تجوز

<<  <  ج: ص:  >  >>