وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الدَّارَ الْمُفْرَدَةَ حِرْزٌ لِجَمِيعِ مَا فِيهَا، وَغَلْقُ الحجرة يجري مجرى غلق الصندوق، ولا يُقْطَعُ بِإِخْرَاجِهِ مِنَ الصُّنْدُوقِ إِلَى الْحُجْرَةِ، كَذَلِكَ لَا يُقْطَعُ بِإِخْرَاجِهِ مِنَ الْحُجْرَةِ إِلَى الدَّارِ، وَيَكُونُ كَمَا لَوْ رَفَعَ السَّرِقَةَ مِنْ قَرَارِ الدَّارِ إِلَى غُرَفِهَا أَوْ حَطَّهَا مِنْ غُرَفِهَا إِلَى قَرَارِهَا لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ السُّفْلِ وَالْعُلُوِّ حِرْزٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ أَصْعَدَ بِالسَّرِقَةِ مِنَ الدَّارِ إِلَى سَطْحِهَا نُظِرَ: فَإِنْ كَانَ عَلَى السطح ممرق يعلق على السفل قطع؛ لأن خروجه من الممرق كخروجه من الباب؛ لأن الممرق أَحَدُ الْبَابَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى السَّطْحِ سرق يعلق نظر، فإن كان السطح عالياً عليه سترة مبينة تَمْنَعُ مِنَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْحِرْزِ، وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ قطع.
[(مسألة)]
قال الشافعي: " وَإِنْ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً وَأَخْرَجَهُ مِنَ الْحُجْرَةِ إِلَى الدار فليست الدار بحرز لأحد من السكان فيقطع) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْحَانَاتِ الْمُشْتَرَكَةِ، فَإِذَا كَانَتِ الدَّارُ مُشْتَرِكَةً بَيْنَ جَمَاعَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيهَا حُجْرَةٌ يَخْتَصُّ بِسُكَّانِهَا فَدَخَلَ الْحُجْرَةَ سَارِقٌ وَأَخْرَجَ مِنْهَا السَّرِقَةَ إِلَى صَحْنِ الدَّارِ قُطِعَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَهَا عَنْ حِرْزِهَا، وَيَكُونُ حُكْمُ هَذِهِ الدَّارِ كَالزُّقَاقِ الْمَرْفُوعِ بَيْنَ أَهْلِهِ إِذَا اخْتَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيهِ بِدَارٍ كَانَ إِخْرَاجُ السَّرِقَةِ مِنْهَا إلى الزقاق موجباً للقطع.
قال الشافعي: " وَلَوْ أَخْرَجَ السَّرِقَةَ فَوَضَعَهَا فِي بَعْضِ النَّقْبِ وَأَخَذَهَا رَجُلٌ مِنْ خَارِجٍ لَمْ يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رَجُلَيْنِ اجْتَمَعَا على سَرِقَةٍ فَنَقَبَ أَحَدُهُمَا وَأَخَذَ الْآخَرُ، فَهَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَشْتَرِكَا فِي النَّقْبِ وَيَدْخُلَ أَحَدُهُمَا فَيَأْخُذُ السَّرِقَةَ وَيَضَعَهَا فِي النَّقْبِ ولا يخرجها منه، ويأتي وَهُوَ خَارِجُ النَّقْبِ فَلْيَأْخُذْهَا وَلَا يَدْخُلِ الْبَيْتَ، فَمَذْهَبُ مَالِكٍ: أَنَّهُمَا يُقْطَعَانِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا قَدْ صَارَا بِالتَّعَاوُنِ كَالْوَاحِدِ.
وَالثَّانِي: لِئَلَّا يَصِيرَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إِلَى أَخْذِ الْأَمْوَالِ وَإِسْقَاطِ الْحُدُودِ، وَهَذَا الْقَوْلُ قَدْ حَكَاهُ الْحَارِثُ بْنُ سُرَيْجِ بن هلال النَّقَّالِ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَأَحَدُ قَوْلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ: أن لَا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَصَارَ فِي وجوب قطعها قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْأَضْعَفُ: أَنَّهُمَا يُقْطَعَانِ لِلْمَعْنَيَيْنِ المتقدمين.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute