للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ فِي الْكَفَّارَةِ قِيمَةَ الطَّعَامِ، كَمَا لَا يَحِقُّ أَنْ يُخْرِجَ فِي الزَّكَاةِ قِيمَتَهَا، وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ إِخْرَاجَ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَقَدْ مَضَى الكلام معه.

فأما ما نقله المزني هاهنا: " وَلَا يُجْزِئُ طَعَامٌ "، فَلَمْ يُرِدْ بِهِ طَعَامَ الْبُرِّ فِي إِطْعَامِ الْمَسَاكِينِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلَ الْأَغْلَبَ فِيمَا يُسْتَحَقُّ، وَلَهُ أَحَدُ تَأْوِيلَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَ الطَّعَامَ فِي قِيمَةِ الْكِسْوَةِ، كَمَا لَا يُخْرِجُ الْكِسْوَةَ فِي قِيمَةِ الطَّعَامِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى الطَّعَامِ الْمَطْبُوخِ مِنَ الْخُبْزِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إِخْرَاجُ الْحَبِّ مِنَ الْبُرِّ وَجَمِيعُ الْحُبُوبِ دُونَ الْخُبْزِ وَإِنْ كُنْتُ أُفْتِي بِإِخْرَاجِ الْخُبْزِ فِي الْكَفَّارَةِ اعْتِبَارًا بِالْأَرْفَقِ الْأَنْفَعِ فِي الْغَالِبِ، وَأَنْ يُعْطَى كُلُّ مِسْكِينٍ رِطْلَيْنِ مِنَ الْخُبْزِ، وَحَكَى ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ أَحْسَبُهُ أَرَادَ الْأَنْمَاطِيَّ، أَنَّهُ جَوَّزَ إِخْرَاجَ الدَّقِيقِ فِي الْكَفَّارَةِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ اعْتِبَارًا بالأرفق.

[(مسألة:)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وما اقتات أهل البلدان في شيءٍ أَجْزَأَهُمْ مِنْهُ مدٌّ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ وَهُوَ مَقْصُورٌ عَلَى الْحُبُوبِ الْمُقْتَاةِ، فَكَمَا جَازَ إِخْرَاجُهُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ جَازَ إِخْرَاجُهُ فِي الْكَفَّارَاتِ، ثُمَّ فِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَقْوَاتِ، فَمِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ أطعم.

القول الثاني: أنه يخرج في الْغَالِبِ مِنَ الْأَقْوَاتِ وَفِي اعْتِبَارِ الْغَالِبِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: مِنْ غَالَبِ قُوتِ بَلَدِهِ.

وَالثَّانِي: مِنْ غَالَبِ قُوتِهِ فِي نَفْسِهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) {المائدة: ٨٩) وَإِنْ عَدَلَ عَنْ غَالِبِ الْقُوتِ إِلَى غَيْرِهِ لَمْ يَخْلُ مَا عَدَلَ إِلَيْهِ عَنِ الْأَغْلَبِ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَدْوَنَ مِنْهُ أَوْ أَعْلَى، فَإِنْ كَانَ دُونَ مِنْهُ لَمْ نُجِزْهُ، وَإِنْ كَانَ أَرْفَعَ مِنْهُ كَإِخْرَاجِ الْبُرِّ إِذَا كَانَ أَغْلَبُ قُوتِهِ شَعِيرًا فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ يَجُوزُ لِفَضْلِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِالْعُدُولِ إِلَيْهِ كَالْقِيمَةِ.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وَيُجْزِئُ أَهْلَ الْبَادِيَةِ مُدُّ أقطٍ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) رحمه الله أجاز الأقط ههنا وَلَمْ يُجْزِهِ فِي الْفِطْرَةِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا إِذَا اقْتَاتَ أَهْلُ الْبَادِيَةِ غَيْرَ الْأَقِطِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِخْرَاجُ الْأَقِطِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>