للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهُ إِبَاحَةٌ بَعْدَ حَظْرٍ فَقَدْ حَلَّ مِنَ الْعُمْرَةِ بِإِكْمَالِ السَّعْيِ وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ وَلَمْ يُقَصِّرْ، وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ إِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَالْمُسْتَحَبُّ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَنْحَرَهُ قبل حلقه لقوله تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ) {البقرة: ١٩٦) وَمَوْضِعُ النَّحْرِ عِنْدَ إِحْلَالِهِ وَإِحْلَالُهُ مِنَ الْعُمْرَةِ يَكُونُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ فَهُنَاكَ يَنْحَرُ وَإِنْ نَحَرَ مِنْ فِجَاجِ مَكَّةَ أَوِ الْحَرَمِ أَجْزَأَهُ، ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يقصر وكلاهما جائز، لقوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِرِينَ} (الفتح: ٢٧) لَكِنَّ الْحَلْقَ لِلرِّجَالِ أَفْضَلُ مِنَ التَّقْصِيرِ لِأَنِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ " قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالْمُقَصِّرِينَ قَالَ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ " قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالْمُقَصِّرِينَ فَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ وَالْمُقَصِّرِينَ، لِأَنَّ الْحَلْقَ أَعَمُّ مِنَ التَّقْصِيرِ فَكَانَ أَكْثَرَ ثَوَابًا، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ التَّقْصِيرَ جَائِزٌ وَالْحَلْقَ أَفْضَلُ مِنْهُ فَإِنَّمَا ذَلِكَ فِيمَنْ لَمْ يُلَبِّدْ رَأْسَهُ وَلَا عَقَصَهُ وَأَمَّا إِنْ كَانَ لَبَّدَ رَأْسَهُ وَعَقَصَهُ فَعَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ لَا يُجْزِئُهُ إِلَّا الْحَلْقُ، لِرِوَايَةِ فُلَيْحٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَلْقُ ".

وَالثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ فِي الْجَدِيدِ إِنَّ التَّقْصِيرَ يُجْزِئُهُ وَإِنْ كَانَ الْحَلْقُ أَفْضَلَ له لقوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِرِينَ) {الفتح: ٢٧) .

فَصْلٌ

فَإِذَا أَرَادَ حَلْقَ رَأْسِهِ بَدَأَ بِشِقِّهِ الْأَيْمَنِ وَإِنْ كَانَ عَلَى يَسَارِ الْحَالِقِ، وَقَالَ أبو حنيفة: يَبْدَأُ بِشِقِّهِ الْأَيْسَرِ، لِأَنَّهُ عَلَى يَمِينِ الْحَالِقِ فَاعْتَبَرَ الْبِدَايَةَ بِيَمِينِ الْحَالِقِ دُونَ الْمَحْلُوقِ، وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ الْبِدَايَةَ بِيَمِينِ الْمَحْلُوقِ دُونَ الْحَالِقِ وَهَذَا أَوْلَى؛ لِرِوَايَةِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا رَمَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْجَمْرَةَ وَفَرَغَ مِنْ نُسُكِهِ نَاوَلَ الْحَالِقَ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ، ثُمَّ أَعْطَاهُ الشِّقَّ الْأَيْسَرَ فَحَلَقَهُ ثُمَّ قَالَ: اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ، وَرُوِيَ أَنَّ الَذِي حَلَقَ شَعْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَضْلَةَ، وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ يَمِينِ صَاحِبِ النُّسُكِ أَوْلَى مِنِ اعْتِبَارِ الْحَالِقِ؛ لِأَنَّ النُّسُكَ فِي رَأْسِهِ دُونَ رَأْسِ الحالق فإذا ثبت هذا ففي الحلق أربع سنن:

أحدها: أن يستقبل القبلة.

والثانية: أن يبدأ بِشِقِّهِ الْأَيْمَنِ.

وَالثَّالِثَةُ: أَنْ يُكَبِّرَ عِنْدَ فَرَاغِهِ.

وَالرَّابِعَةُ: أَنْ يَدْفِنَ شَعْرَهُ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيَبْلُغُ الْحَلْقُ إِلَى الْعَظْمَيْنِ لِأَنَّهُمَا مُنْتَهَى نَبَاتِ الشَّعْرِ، لِيَكُونَ مُسْتَوْعِبًا لِجَمِيعِ رَأْسِهِ، فَلَوْ طَلَى رَأْسَهُ بِالنَّوْرَةِ حَتَّى ذَهَبَ شَعْرُهُ أَوْ نَتَفَهُ أَجْزَأَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِزَالَةُ الشَّعْرِ.

فَصْلٌ

: فَلَوْ كَانَ أَصْلَعَ أَوْ مَحْلُوقَ الرَّأْسِ وَلَيْسَ عَلَى رَأْسِهِ شَعْرٌ وَلَا زَغَبٌ فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُمِرَّ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ وَلَا يجب عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>