وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسٍ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَرَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا قَدِمَ المدينة صلى صلاة جهر فقر أبسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَلَمْ يَجْهَرْ بِهَا لِلسُّورَةِ فَنَادَاهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ أَسَرَقْتَ الصَّلَاةَ يَا مُعَاوِيَةُ، أَيْنَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
فَدَلَّ هَذَا الْإِنْكَارُ مِنْهُمْ عَلَى الْإِجْمَاعِ فِي الْجَهْرِ بِهَا وَإِنَّ مَا ثَبَتَ أَنَّهُ مِنَ الْفَاتِحَةِ كَانَ الْجَهْرُ بِهَا كَسَائِرِ آيِ الْفَاتِحَةِ
فَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَيُحْمَلُ عَلَى صَلَاةِ الْإِسْرَارِ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ أَنَّ الجهر بها لو كان سنة لكان نفلة مُسْتَفِيضًا فَيُقَالُ: وَلَوْ كَانَ الْإِسْرَارُ بِهَا سُنَّةً لَكَانَ ذَلِكَ مُسْتَفِيضًا كَالرَّكْعَتَيْنِ الْآخِرَتَيْنِ
(فَصْلٌ)
: فَإِذَا تقرر أن " بسم الله الرحمن الرحيم " مِنَ الْفَاتِحَةِ، وَفِي حُكْمِهَا فِي الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ، فَتَرَكَهَا وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ بَعْدَهَا لَمْ يُجْزِهِ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَاسْتَأْنَفَ الْفَاتِحَةَ مُبْتَدِئًا بِهَا بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَلَوْ تَرَكَ آيَةً مِنَ الْفَاتِحَةِ أَوْ حَرْفًا مِنْ آيَةٍ أَتَى بِمَا تَرَكَ وَأَعَادَ مَا بَعْدَهُ لِيَكُونَ عَلَى الْوَلَاءِ، فَإِنَّ التَّرْتِيبَ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ مُسْتَحَقٌّ، وَلَوْ أَخَذَ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَنَوَى قَطْعَهَا وَهُوَ عَلَى قِرَاءَتِهِ أَجْزَأَهُ وَلَمْ يَكُنْ مَا أَحْدَثَهُ مِنْ نِيَّةِ الْقَطْعِ مُؤَثِّرًا فِي حُكْمِهَا إِذَا كَانَ عَلَى التِّلَاوَةِ لَهَا خِلَافَ الصَّلَاةِ الَّتِي تَبْطُلُ بِنِيَّةِ الْقَطْعِ، لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهَا تَغْيِيرُ النِّيَّةِ وَالصَّلَاةَ تَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ فَأَثَّرَ فِيهَا تَغْيِيرُ النِّيَّةِ، وَلَكِنْ لَوْ كَانَ حِينَ نَوَى قَطْعَهَا أَخَذَ فِي قِرَاءَةِ غَيْرِهَا كَانَ قَطْعًا لَهَا، وَلَوْ سَكَتَ مَعَ نِيَّةِ الْقَطْعِ فَإِنْ كَانَ سُكُوتًا طَوِيلًا كَانَ قَطْعًا، وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَهَا، وَلَوْ كَانَ سُكُوتًا قَلِيلًا فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَكُونُ قَطْعًا وَهُوَ أَصَحُّ، لِأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَنَ بِنِيَّةِ الْقَطْعِ الْفِعْلُ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَكُونُ قَطْعًا، لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا، وَالسُّكُونُ الْقَلِيلُ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَكُونُ قَطْعًا لَهَا فَأَمَّا قَوْلُ الشافعي ويقرأ ترتيلاً فلقوله تعالى: {ورتل القرآن ترتيلاً} [الزمل: ٤] قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَقَلُّ التَّرْتِيلِ تَرْكُ الْعَجَلَةِ مَعَ الْإِبَانَةِ
(فَصْلٌ)
: فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ وُجُوبِ الْفَاتِحَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مَعَ الْأَحْكَامِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ بِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَإِنْ تَرَكَهَا فِي وَاحِدَةٍ مِنْ رَكَعَاتِ صَلَاتِهِ بَطَلَتْ
وَقَالَ دَاوُدُ: الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِهَا
وَقَالَ أبو حنيفة: عَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ فِي رَكْعَتَيْنِ لَا غَيْرُ