فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِخَلَاصِهِ لِأَنَّهُ تَطَوَّعَ بِالضَّمَانِ عَنْهُ صَارَ كَالْمُتَطَوِّعِ بِالْغُرْمِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ ضَمِنَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ الضَّامِنُ قَدْ طُولِبَ بِغُرْمِ مَا ضَمِنَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَضْمُونَ عَنْهُ بِخَلَاصِهِ بِفِكَاكِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْغُرْمِ إِذَا غَرِمَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْخَلَاصِ إِذَا طُولِبَ، وَإِنْ كَانَ الضَّامِنُ لَمْ يُطَالَبْ بِغُرْمِ مَا ضَمِنَهُ فَهَلْ لِلضَّامِنِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَضْمُونَ عَنْهُ بِخَلَاصِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ مُخَرَّجَيْنِ مِنِ اخْتِلَافِ القولين في تَعْجِيلِ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْغُرْمِ.
فَلَوْ كَانَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ صَغِيرًا أَوْ كَانَ الضَّامِنُ قَدْ ضَمِنَ عَنْهُ بِإِذْنِ أَبِيهِ ثُمَّ طُولِبَ الضَّامِنُ بِالْغُرْمِ، فَإِنْ كَانَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ عَلَى صِغَرِهِ لَمْ يَبْلُغْ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَب بِخَلَاصِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ بَلَغَ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَضْمُونَ عَنْهُ بِالْخَلَاصِ دُونَ الْأَبِ، وَلَوْ كَانَ غَيْرُ الْأَبِ قَدْ أَمَرَهُ بِالضَّمَانِ عَنْهُ فَلَيْسَ لِلضَّامِنِ أَنْ يَأْخُذَ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِخَلَاصِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ عَلَى صِغَرِهِ أَوْ قَدْ بَلَغَ، لِأَنَّهُ أَمَرَهُ مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ.
(فَصْلٌ)
إِذَا طُولِبَ الضَّامِنُ بِأَدَاءِ مَا ضَمِنَهُ وَحُبِسَ بِهِ فَأَرَادَ الضَّامِنُ أَنْ يَحْبِسَ الْمَضْمُونَ عَنْهُ قَبْلَ أَدَاءِ الْمَالِ، وَكَانَ ضَمَانُهُ عَنْهُ بِأَمْرِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ لَهُ مِثْلَ مَا عَلَيْهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ قَبْلَ الْغُرْمِ مَالًا يَحْبِسُهُ بِهِ.
فَأَمَّا صِفَةُ الْأَمْرِ بِالضَّمَانِ فَقَدْ يَكُونُ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ إِمَّا أَنْ يَبْتَدِئَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ فَيَقُولَ لِلضَّامِنِ اضْمَنْ عَنِّي لِفُلَانٍ كَذَا، فَيَكُونَ هَذَا أَمْرًا بِالضَّمَانِ، وَأَمَّا أَنْ يَبْتَدِئَ الضَّامِنُ، فَيَقُولَ لِلْمَضْمُونِ عَنْهُ أَضْمَنُ عَنْكَ لِفُلَانٍ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ فَيَكُونَ هَذَا أَمْرًا بِالضَّمَانِ أَيْضًا، وَقَالَ أبو حنيفة لَا يَكُونُ هَذَا أَمْرًا بِالضَّمَانِ وَيَكُونُ الْأَوَّلُ أَمْرًا بِهِ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ عِنْدِي سَوَاءٌ بَلِ الثَّانِي أَوْكَدُ.
فَلَوْ أَمَرَهُ بِالضَّمَانِ عَنْهُ بِجُعْلٍ جَعَلَهُ لَهُ لَمْ يَجُزْ، وَكَانَ الْجُعْلُ بَاطِلًا وَالضَّمَانُ إِنْ كَانَ بِشَرْطِ الْجُعْلِ فَاسِدًا بخلاف ما قاله إسحق بْنُ رَاهَوَيْهِ لِأَنَّ الْجُعْلَ إِنَّمَا يُسْتَحَقُّ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلٍ، وَلَيْسَ الضَّمَانُ عَمَلًا فَلَا يُسْتَحَقُّ به جعلا.
[(مسألة)]
قال المزني رضي الله عنه: " وَلَوْ ضَمِنَ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَمْرِهِ ضَامِنٌ ثُمَّ ضَمِنَ عَنِ الضَّامِنِ ضَامِنٌ بِأَمْرِهِ فَجَائِزٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا ضَمِنَ رَجُلٌ مَالًا عَنْ رَجُلٍ ثُمَّ ضَمِنَ عَنِ الضَّامِنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute