قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الذَّكَرُ السَّلِيمُ مِنْ شَلَلٍ فَفِيهِ الدِّيَةُ تَامَّةً، لِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فِي كِتَابِهِ إِلَى الْيَمَنِ " وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ ".
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَضَى فِي الْأُدَافِ الدِّيَةَ، قَالَ قُطْرُبٌ: الْأُدَافُ الذَّكَرُ، وَلِأَنَّهُ مِنْ آلَةِ التَّنَاسُلِ وَذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَنَافِعِ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ مَنَافِذِ الْجَسَدِ فَأَشْبَهَ الْأَنْفَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ذَكَرِ الصَّبِيِّ وَالرَّجُلِ وَالشَّيْخِ الْهَرِمِ وَالْعِنِّينِ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ، لِأَنَّ الْعُنَّةَ عَيْبٌ فِي غَيْرِ الذَّكَرِ، لِأَنَّ الشَّهْوَةَ فِي الْقَلْبِ وَالْمَنِيَّ فِي الصُّلْبِ، فَإِنْ كَانَتِ الْعُنَّةُ مِنْ قِلَّةِ الشَّهْوَةِ فَمَحَلُّهَا فِي الْقَلْبِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ قِلَّةِ الْمَاءِ فملحه في الصلب، والذكر ليس بمحل لواحد منها فَكَانَ سَلِيمًا مِنَ الْعِنِّينِ كَسَلَامَتِهِ مِنْ غَيْرِ الْعِنِّينِ، وَكَانَتِ الدِّيَةُ فِي قَطْعِهِ مِنْهُمَا عَلَى سَوَاءٍ، فَإِنْ قَطَعَ حَشَفَةَ الذَّكَرِ حَتَّى اسْتَوْعَبَهَا مَعَ بَقَاءِ الْقَضِيبِ فَفِيهَا الدِّيَةُ، لِأَنَّ نَفْعَ الذَّكَرِ بِحَشَفَتِهِ كَمَا تَكْمُلُ دِيَةُ الْكَفِّ بِقَطْعِ الْأَصَابِعِ، فَإِنْ قَطَعَ بَعْضَ الْحَشَفَةِ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الدِّيَةِ بِقِسْطِهَا، وَهَلْ يَتَقَسَّطُ عَلَى الْحَشَفَةِ وَحْدَهَا أَمْ عَلَى جَمِيعِ الذَّكَرِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: تَتَقَسَّطُ عَلَى الْحَشَفَةِ، لِأَنَّ الدِّيَةَ تَكْمُلُ بِقَطْعِهَا، فَتُقَسَّطُ عَلَيْهَا أَبْعَاضُهَا، فَيَلْزَمُهُ فِي نِصْفِ الْحَشَفَةِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الذَّكَرِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهُ تَتَقَسَّطُ دِيَةُ الْمَقْطُوعِ مِنَ الْحَشَفَةِ عَلَى جَمِيعِ الذَّكَرِ، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ الْمَقْصُودُ بِكَمَالِ الدِّيَةِ فَكَانَتْ أَبْعَاضُهُ مُقَسَّطَةً عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ الْمَقْطُوعُ مِنْ نِصْفِ الْحَشَفَةِ هُوَ سُدُسُ الذَّكَرِ لَزِمَهُ سُدْسُ الدِّيَةِ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْحَلَمَةِ مِنَ الثَّدْيِ إِذَا قَطَعَ بَعْضَهَا كَانَ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ.
(فَصْلٌ)
فَأَمَّا الْأُنْثَيَانِ وَهُمَا الْخُصْيَتَانِ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ، لِأَنَّهُمَا مِنْ تَمَامِ الْخِلْقَةِ وَهُمَا مَحَلُّ التَّنَاسُلِ، لِانْعِقَادِ مَنِيِّ الصُّلْبِ فِي يُسْرَاهُمَا إِذَا نَزَلَ إِلَيْهَا فَصَارَ لِقَاحًا فِيهِمَا، وَلِأَنَّ الْحَيَاةَ مَحَلُّهُمَا، وَلِذَلِكَ كَانَ عَصْرُ الْأُنْثَيَيْنِ مُفْضِيًا إِلَى التَّلَفِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْأُنْثَيَيْنِ بَيْنَ قَطْعِهِمَا مِنْ كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ، عِنِّينٍ وَغَيْرِ عِنِّينٍ، سَوَاءٌ كَانَ بَاقِيَ الذَّكَرِ أَوْ مَجْبُوبًا، لِأَنَّ جَبَّ الذَّكَرِ نَقْصٌ فِي غَيْرِهِ، وَأَوْجَبَ مَالِكٌ فِي أُنْثَيَيِ الْمَجْبُوبِ الذَّكَرِ حُكُومَةً، لِأَنَّ جَبَّ الذَّكَرِ قَدْ أَثَّرَ فِي نَقْصِ الْأُنْثَيَيْنِ بِعَدَمِ النَّسْلِ، وَهَذَا فَاسِدٌ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ نَقْصٌ فِي غَيْرِهِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ مَعَ سَلَامَتِهِ، وَفِي إِحْدَى الْأُنْثَيَيْنِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَلَا فَضْلَ لِيُسْرَى عَلَى يُمْنَى.
وَحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ أَوْجَبَ فِي الْبَيْضَةِ الْيُسْرَى ثُلُثَيِ الدِّيَةِ، وَفِي الْيُمْنَى ثُلُثَهَا، لِأَنَّ مَحَلَّ الْمَنِيِّ فِي الْيُسْرَى، وَمَحَلَّ الشَّعْرِ فِي الْيُمْنَى، وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّ كُلَّ عُضْوَيْنِ كَمُلَتْ فِيهِمَا الدِّيَةُ تَنَصَّفَتْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى سَوَاءٍ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ مَنَافِعُهُمَا كَالْيَدَيْنِ، وَعَلَى أَنَّ مَا ذكره من لقاح اليسرى مظنون بذكره الطب،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute