وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ فَالْمَعْنَى فِي الْحُرَّةِ. أَنَّهُ لَمَّا جَازَ نِكَاحُهَا عَلَى حُرَّةٍ جاز نكاحها على وُجُودِ الطَّوْلِ، وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ نِكَاحُ الْأَمَةِ على الحرة لَمْ يَجُزْ نِكَاحُهَا مَعَ وُجُودِ الطَّوْلِ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ وَالْكَافِرَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ نِكَاحُهَا وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَهُ مُسْلِمَةٌ وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأَمَةِ إِذَا كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى مَهْرِ الْأُخْتِ لَا يَمْنَعُ مِنْ نِكَاحِ أُخْتِهَا، فَكَذَلِكَ الْقُدْرَةُ عَلَى مَهْرِ الْحُرَّةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِي الْأُخْتَيْنِ هو الجمع بَيْنَهُمَا فِي الْعَقْدِ وَهَذَا الْجَمْعُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَهْرِ كَمَا لَا يَمْنَعِ الْقُدْرَةُ عَلَى مُهُورٍ أَرْبَعٍ مِنَ الْعَقْدِ عَلَى خامسةٍ وَيُمْنَعُ وُجُودُ الْأَرْبَعِ تَحْتَهُ أَنْ يَعْقِدَ على خامسة، وليس كذلك الأمة؛ لأنهاحرمت للقدرة على حرة، ولأنه يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ حُرَّةٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَكَحَ حُرَّةً بَعْدَ أَمَةٍ جَازَ، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ، وَإِذَا كَانَ تحرمها لِلْقُدْرَةِ عَلَى حُرَّةٍ كَانَ بِوُجُودِ مَهْرِ الْحُرَّةِ قَادِرًا عَلَى حُرَّةٍ فَافْتَرَقَا.
فَصْلٌ
وَأَمَّا مَالِكٌ فاستدل على أنه يجوز أن ينكح الأمة، وإن كانت تَحْتَهُ حُرَّةٌ بِأَنَّهُ رُبَّمَا لَمْ تُقْنِعْهُ الْحُرَّةُ لِشِدَّةِ شَهْوَتِهِ وَقُوَّةِ شَبَقِهِ، فَخَافَ الْعَنَتَ مَعَ وجودها، لا سيما وَقَدْ يَمْضِي لِلْحُرَّةِ زَمَانُ حَيْضٍ يَمْنَعُ فِيهِ من إصابتها فدعته الضرورة مع وجوده بحرة تَحْتَهُ إِذَا عَدَمَ طَوْلَ حُرَّةٍ أُخْرَى أَنْ ينكح أمة، وليأمن بها العنت كما يأمن إذا لم يكن تَحْتَهُ حُرَّةٌ، وَهَذَا خَطَأٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أنْ يَنْكِحَ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ فِمِنَ مَا مَلَكَتْ أيْمَانُكُمْ) {النساء: ٢٥) فَلَمَّا كَانَ طَوْلُ الْحُرَّةِ يَمْنَعُهُ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ كَانَ وُجُودُ الْحُرَّةِ أَوْلَى أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الشَّيْءِ أَقْوَى حُكْمًا مِنَ الْقُدْرَةِ عَلَى بَدَلِهِ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَا تُنْكَحُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ وَتُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ " حَكَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْمَكِّيُّ عَنِ الرَّازِّيِّ؛ وَلِأَنَّ مَنْ مَنَعَهُ عوض الْمُبَدَلِ مِنَ الِانْتِقَالِ إِلَى الْبَدَلِ كَانَ وُجُودُ الْمُبَدَلِ أَوْلَى أَنْ يَمْنَعَهُ مِنَ الِانْتِقَالِ إِلَى الْبَدَلِ كَالْمُكَفِّرِ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ فَفَاسِدٌ بِمَنْ لَمْ تقنعه أربع زوجات بقوة شَبَقِهِ، وَإِنَّهُ رُبَّمَا اجْتَمَعَ حَيْضُهُنَّ مَعًا؛ وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ نِكَاحِ الْخَامِسَةِ عَلَى أَنَّ الْحُرَّةَ الْوَاحِدَةَ قَدْ تُقْنِعُ ذَا الشَّبَقِ الشديد بأن يستمتع في أيام حيضتها بِمَا دُونَ الْفَرْجِ مِنْهَا.
فَإِذَا ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّ نِكَاحَ الْحُرِّ لِلْأَمَةِ مُعْتَبَرٌ بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ، فَكَذَلِكَ نِكَاحُهُ لِلْمُدَبَّرَةِ، وَالْمُكَاتِبَةِ، وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَمِنْ رَقَّ بَعْضُهَا، وَإِنْ قَلَّ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِوُجُودِ هَذِهِ الشَّرَائِطِ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الرِّقِّ عَلَى جَمِيعِهِنَّ جَارِيَةٌ فَجَرَتْ أَحْكَامُ الرِّقِّ عَلَى أَوْلَادِهِنَّ، وَإِذَا ثَبَتَ اعْتِبَارُ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ فِي نِكَاحِ كُلِّ مَنْ يَجْرِي عَلَيْهِ حَكَمُ الرِّقِّ مِنْ أَمَةٍ، وَمُدَبَّرَةٍ، وَمُكَاتِبَةٍ، وَأُمِّ وَلَدٍ وَجَبَ أن يوضع حُكْمُ كُلِّ شَرْطٍ مِنْهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute