للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَمَعَ فِي الْعَقْدِ الْوَاحِدِ بَيْنَ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ، بطل نِكَاحُ الْأَمَةِ فَكَذَلِكَ إِذَا أَفْرَدَهَا بِالْعَقْدِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْحُرَّةِ.

وَتَحْرِيرُهُ: أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ لَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْعَقْدِ بَطَلَ نكاح إحداهما ووجب إذا أفردت بالعقد أن تبطل نكاحها كَالْأُخْتِ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ وَكَالْمُعْتَدَّةِ مَعَ الْخَلِيَّةِ، وَلِأَنَّ مَنْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ هُوَ مَمْنُوعٌ عنْ نِكَاحِ أمة، وَلَيْسَ يَخْلُو حَالُ مَنْعِهِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: إما أن يكون؛ لأن تحته امرأة حُرَّة وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ؛ لِأَنَّهُ جَامِعٌ بَيْنَ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ؛ لِأَنَّهُ جَامِعٌ بَيْنَ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ، لِأَنَّهُ قَدْ أَمِنَ الْعَنَتَ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ تَحْتَهُ حُرَّةً، لِأَنَّهُ لَوْ عَقَدَ عَلَى حُرَّةٍ وَأَمَةٍ بَطَلَ نِكَاحُ الْأَمَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ وَبَطَلَ أَنْ يكون المنع، لأنه جامع بن حرة وأمة؛ لأنه لَوْ نَكَحَ أَمَةً جَازَ أَنْ يَنْكِحَ بَعْدَهَا حُرَّةً فَيَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ أَمَةٍ وَحُرَّةٍ، وَإِذَا بطل هذان القسمان صار عليه المنع هو القسمان الْآخَرَانِ وَهُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ، وَأَنَّهُ أَمِنَ مِنَ الْعَنَتِ فَصَارَ وُجُودُ هَذَيْنِ عِلَّةً فِي التَّحْرِيمِ وَعَدَمُهَا عِلَّةً فِي التَّحْلِيلِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} (النساء: ٣) فهو أن اسْتِدْلَالَهُمْ فِيهَا بِالْعُمُومِ مَتْرُوكٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ النص في التخصيص واستدلالهم منها بالنص باطل؛ لأنه تعالى قَالَ: {فَإنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةٌ أَوْ مَا مَلَكَتْ أيْمَانُكُمْ) {النساء: ٣) فكان هذا تَخْيِيرًا بَيْنَ الْعَقْدِ عَلَى حُرَّةٍ وَبَيْنَ وَطْءِ الْإِمَاءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَمْ يَكُنْ تَخْيِيرًا بَيْنَ العقد على حرة والعقد على أمة؛ لأن الله تعالى لم يشرط في ملك اليمين عدداً فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى مَا شَرَطَ فِيهِ الْعَدَدَ مِنَ التَّسَرِّي بِهِنَّ دُونَ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ مِنْ عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَيْهِنَّ.

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلأمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَة) {البقرة: ٢٢١) فَالْمُرَادُ بِالْمُشْرِكَةِ هَاهُنَا الْوَثَنِيَّةُ دُونَ الْكِتَابِيَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ فَصَلَ بينهما؛ وإن جاز أن يعمهما اسم الشرك فَقَالَ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أهْلِ الكِتَابِ وَالمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ البَيِّنَةِ) {البينة: ١) وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّم) {البينة: ٦) وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِهَا الْوَثَنِيَّةُ فَنِكَاحُ الْأَمَةِ الْمُؤْمِنَةِ خَيْرٌ مِنْ نِكَاحِهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَحِلُّ إِذَا وُجِدَ شَرْطُ الْإِبَاحَةِ وَالْوَثَنِيَّةُ لَا تَحِلُّ بِحَالٍ.

وأما قياسهم على العادم للطول والخائف للعنت بِعِلَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَمُنْتَقَضٌ بِمَنْ تحته أربع: إما لَا يَجُوزُ لَهُ عِنْدَهُ أَنْ يَنْكِحَ أَمَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْعَادِمَ لِلطَّوْلِ عَاجِزٌ عَنِ الحرة، والواجد قادر فلا يجوز أن يقاس الْقَادِرُ عَلَى الْبَذْلِ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْهُ كَالْوَاجِدِ لِثَمَنِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ عَلَى الْعَادِمِ لِثَمَنِهَا.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى العبد فالمعنى فيه: أنه لَا عَارَ عَلَى الْعَبْدِ فِي اسْتِرْقَاقِ وَلَدِهِ فَجَازَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ فِيهِ خَوْفُ الْعَنَتِ، وَعَلَى الْحُرِّ عَارٌ فِي اسْتِرْقَاقِ وَلَدِهِ فَاعْتُبِرَتْ ضَرُورَتُهُ لِخَوْفِ الْعَنَتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>