وَالْقِسْمُ السَّادِسُ: أَنْ تَكُونَ سِهَامُ بَعْضِهِمْ وَفْقَ كِفَايَاتِهِمْ وَسِهَامُ بَعْضِهِمْ زَائِدَةً عَلَى قَدْرِ كِفَايَاتِهِمْ فَإِذَا قَسَّمَ الْكَافِيَ وَحَبَسَ الْفَضْلَ الزَّائِدَ عَنْ أَهْلِهِ نُقِلَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ إِلَى أَقْرَبِ الْبِلَادِ بِهِمْ لَا يَخْتَلِفُ، وَلَكِنْ إِذَا نَقَلَهَا فَهَلْ يَخْتَصُّ بِهَا أَهْلُ تِلْكَ الْأَصْنَافِ أَوْ تَكُونُ كَالصَّدَقَةِ الْمُبْتَدَأَةِ تُقَسَّمُ فِي جَمِيعِ الْأَصْنَافِ عَلَى وجهين بناء على الوجهين الماضيين:
أحدها: أَنْ يَخْتَصَّ بِهَا أَهْلُ تِلْكَ الْأَصْنَافِ إِذَا قِيلَ فِي الْقِسْمِ الْمَاضِي بِتَغْلِيبِ الْأَعْيَانِ وَأَنَّ الْفَاضِلَ يُنْقَلُ إِلَى أَقْرَبِ الْبِلَادِ وَلَا يُرَدُّ عَلَى بَاقِي الْأَصْنَافِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْفَاضِلَ يُقَسَّمُ فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ عَلَى جَمِيعِ الْأَصْنَافِ، إِذَا قِيلَ فِي الْقِسْمِ الْمَاضِي بِتَغْلِيبِ الْمَكَانِ، وَأَنَّ الْفَاضِلَ يُرَدُّ عَلَى بَاقِي الْأَصْنَافِ وَاللَّهُ أعلم.
[مسألة:]
قال الشافعي: " وَلَا وَقْتَ فِيمَا يُعْطَى الْفَقِيرُ إِلَّا مَا يخرجه من حد الفقر إلى الغنا قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ لَا تَجِبُ لِأَنَّهُ يَوْمَ يُعْطَاهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَيْهِ وَقَدْ يَكُونُ غَنِيًّا وَلَا مَالَ لَهُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَفَقِيرًا بِكَثْرَةِ الْعِيَالِ وَلَهُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَإِنَّمَا الْغِنَى وَالْفَقْرُ مَا يَعْرِفُ النَّاسُ بِقَدْرِ حَالِ الرِّجَالِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: فِيمَنْ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْفَقْرِ مِنَ الزَّكَاةِ.
وَالثَّانِي: فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يُعْطَاهُ مِنَ الزَّكَاةِ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ مُعْتَبَرٌ بِأَدْنَى الْغِنَى وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَدْنَى الْغِنَى عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنَّ أَدْنَى الْغِنَى خَمْسُونَ دِرْهَمًا، فَلَا تَحِلُّ الزَّكَاةُ لِمَنْ تَمَلَّكَهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى أَكْثَرَ مِنْهَا، وَقَدْ حُكِيَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَسَعْدٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الْفُقَهَاءِ الزُّهْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أبو حنيفة: إِنَّ أَدْنَى الْغِنَى نِصَابٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا يُحِلُّ الزَّكَاةَ لِمَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا وَلَا يُعْطَى مِنْهَا نِصَابًا، فَإِذَا مَلَكَ مَالًا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ عَقَارٍ وَرَقِيقٍ، فَإِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ كَدَارٍ يَسْكُنُهَا أَوْ دَابَّةٍ يَرْكَبُهَا أَوْ أَمَةٍ يَسْتَخْدِمُهَا حَلَّتْ لَهُ الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ نِصَابٍ، وَمَا اسْتَغْنَى عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ اعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ، فَإِنْ بَلَغَتْ نِصَابًا حَرُمَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ نِصَابٍ حَلَّتْ لَهُ الزَّكَاةُ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْغِنَى غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بِالْمَالِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْكِفَايَةِ الدَّائِمَةِ لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إِمَّا بِضَاعَةً أَوْ تِجَارَةً أَوْ زِرَاعَةً، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ: صُنَّاعٌ، وتجار، وأصحاب عقار، وأصحاب مواشي.
فَأَمَّا الصُّنَّاعُ فَكَالْفَلَّاحِينَ وَالْمَلَّاحِينَ وَالنَّجَّارِينَ وَالْبَنَّائِينَ، فَإِنْ كَانَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ يَكْتَسِبُ بِضَاعَتَهُ قَدْرَ كِفَايَتِهِ عَلَى الدَّوَامِ لِنَفْسِهِ، وَلِمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ لَمْ