وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ الْأَرْبَعَةِ كَالسَّنَةِ، وَسَوَاءٌ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَوْ لم يكونوا.
[(مسألة)]
: قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَا يُتْرَكْ أَهْلُ الْحَرْبِ يَدْخُلُونَ بِلَادَ الْإِسْلَامِ تُجَّارًا فَإِنْ دَخَلُوا بِغَيْرِ أَمَانٍ وَلَا رِسَالَةٍ غُنِمُوا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُرَاعِيَ ثُغُورَ الْمُسْلِمِينَ الْمُتَّصِلَةَ بِدَارِ الْحَرْبِ مِنْ دُخُولِ الْمُشْرِكِينَ إِلَيْهَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمَنُونَ عَلَيْهَا مِنْ غِرَّةٍ يَظْفَرُونَ بِهَا أَوْ مَكِيدَةٍ يُوقِعُونَهَا، وَمَنْ دَخَلَهَا مِنْهُمْ، فَهُوَ حَرْبٌ مَغْنُومٌ يَتَحَكَّمُ الْإِمَامُ فِيهِ بِخِيَارِهِ مِنْ قَتْلِهِ أَوِ اسْتِرْقَاقِهِ أَوْ فِدَائِهِ أَوِ الْمَنِّ عَلَيْهِ إِلَّا فِي حَالَتَيْنِ
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ رَسُولًا لِلْمُشْرِكِينَ فِيمَا يَعُودُ بِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ صُلْحٍ يُجَدَّدُ أَوْ هُدْنَةٍ تُعْقَدُ أَوْ فِدَاءِ أَسْرَى؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: ٦] .
قِيلَ: إِنَّهَا فِي الْمُرْسَلِ فَيَكُونُ لَهُ بِالرِّسَالَةِ أَمَانٌ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ، لَا يَحْتَاجُ مَعَهَا إِلَى اسْتِئْنَافِ أَمَانٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَسُولًا فِي وَعِيدٍ وَتَهْدِيدٍ، فَلَا يَكُونُ أَمَانٌ، وَيَكُونُ حَرْبًا يَفْعَلُ فِيهِ الْإِمَامُ مَا يَرَاهُ مِنَ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ مَضَرَّةً، وَفِي الْأُولَى مَنْفَعَةً فَصَارَ بِالْمَنْفَعَةِ مُوَالِيًا، فَأَمِنَ وَبِالْمَضَرَّةِ مُعَادِيًا، فَغُنِمَ.
فَلَوِ ادَّعَى وَقَدْ دَخَلَ بِلَادَ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ رَسُولٌ نُظِرَ فِي دَعْوَاهُ
فَإِنْ عُلِمَ صِدْقُهُ فِيهَا كَانَ آمِنًا، وَإِنْ عُلِمَ كَذِبُهُ فِيهَا كَانَ مَغْنُومًا، وَإِنْ أَشْبَهَتْ حَالُهُ قُبِلَ قَوْلُهُ، وَكَانَ آمِنًا، وَلَمْ يَلْزَمْ إِحْلَافُهُ عَلَى الرِّسَالَةِ، لِأَنَّهُ مُبَلِّغٌ {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ} [المائدة: ٩٩] .
وَلَا يَجُوزُ إِذَا دَخَلَ الرُّسُلُ بِلَادَ الْإِسْلَامِ أَنْ يُظْهِرُوا فِيهَا مُنْكَرًا مِنْ صُلْبَانِهِمْ وَخُمُورِهِمْ، وَخَنَازِيرِهِمْ، وَجَوَّزَ لَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ إِظْهَارَ خُمُورِهِمْ وَخَنَازِيرِهِمْ؟ لِأَنَّهَا عِنْدَهُ مِنْ جُمْلَةِ أَمْوَالِهِمُ الْمَضْمُونَةِ الِاسْتِهْلَاكِ وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الإسلام يعلوا وَلَا يُعْلَى.
(فَصْلٌ)
: وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ لِهَذَا الدَّاخِلِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ أَمَانٌ يَدْخُلُ بِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ، فَيَصِيرُ آمِنًا عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَلَّاهُ إِلَّا الْإِمَامُ أَوْ مَنْ نَابَ عَنْهُ مِنْ أُولِي الْأَمْرِ؛، لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِالْمَصْلَحَةِ مِنْ أَشْذَاذٍ وَأَقْدَرُ عَلَى الِاحْتِرَازِ مِنْ كَيْدِهِ، فَإِنْ قَدَّرَ لَهُ الْإِمَامُ مُدَّةَ الْأَمَانِ أُقِرَّ عَلَيْهَا إِلَى انْقِضَائِهَا مَا انْتَهَتْ إِلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَا يَبْلُغُ بِهِ سَنَةً إِلَّا بِجِزْيَةٍ، وَفِيمَا بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَالسَّنَةِ قَوْلَانِ مَضَيَا