للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: لَا يَحْنَثُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا مِنَ الْآلَاتِ الْمُحَلَّاةِ كَالسَّيْفِ، وَيَحْنَثُ بِلُبْسِ الْخَاتَمِ ذَهَبًا كَانَ أَوْ فِضَّةً.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحْنَثُ بِلُبْسِهِ إِنْ كَانَ مِنْ فِضَّةٍ، وَيَحْنَثُ إِنْ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ مَأْلُوفَةٌ وَالذَّهَبَ غَيْرُ مَأْلُوفٍ، وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ مَأْلُوفَ الْحُلِيِّ كَغَيْرِ مَأْلُوفِهِ كَالْأَسْوِرَةِ وَالْأَطْوَاقِ، وَلِأَنَّ مَا كَانَ حُلِيًّا فِي الْأَسْوِرَةِ وَالْأَطْوَاقِ كَانَ حُلِيًّا فِي الْخَوَاتِيمِ كَالذَّهَبِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " تَحَلَّى خَاتَمًا مِنْ ذهبٍ ثُمَّ نَزَعَهُ ".

(مَسْأَلَةٌ:)

قال الشافعي: " وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ رَجُلًا ثُمَّ سَلَّمَ عَلَى قومٍ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِيهِمْ لَمْ يَحْنَثْ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا إِذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ رَجُلًا، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ كَلَامٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ بِهِ إِذَا كَانَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ.

فَأَمَّا إِذَا سَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ، وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِيهِمْ، فَلِلْحَالِفِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَقْصِدَهُ بِسَلَامِهِ عَلَيْهِمْ، فَهَذَا حَانِثٌ.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَعْزِلَهُ بِنِيَّتِهِ، وَيَقْصِدُ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى غَيْرِهِ، فَهَذَا غَيْرُ حَانِثٍ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمَقَاصِدِ فِي عَقْدِهَا، فَحُمِلَتْ عَلَيْهِ فِي حَلِّهَا، فَلَا وَجْهَ لِمَا عَدَا هَذَا الْقَوْلَ.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ قَصْدٌ فِي إِرَادَتِهِ، وَلَا فِي عَزْلِهِ، فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَالِمًا أَنَّهُ فِيهِمْ أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ، فَإِنْ علم أن فِيهِمْ، فَفِي حِنْثِهِ بِإِطْلَاقِ سَلَامِهِ عَلَيْهِمْ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ هَاهُنَا، وَنَقَلَهُ الرَّبِيعُ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْكَلَامِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: حَكَاهُ الرَّبِيعُ مُنْفَرِدًا أَنَّ فِيهِ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَهُوَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ عَلَيْهِمْ عَامٌّ، فَدَخَلَ فِي عُمُومِهِمْ.

وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ فِيهِمْ أَوْ عَلِمَ فَنَسِيَ، هَلْ يَكُونُ فِعْلُ الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي فِي الْأَيْمَانِ كَالْعَالِمِ وَالذَّاكِرِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: إنَّهَا لَغْوٌ لَا يَحْنَثُ بِهَا، فَعَلَى هَذَا لَا يَحْنَثُ بِهَذَا السَّلَامِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إنَّهَا لَازِمَةٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا الْحِنْثُ، فَعَلَى هَذَا فِي حِنْثِهِ بِهَذَا السَّلَامِ قَوْلَانِ.

(فَصْلٌ:)

فَإِنْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا كَلَّمْتُكَ وَاللَّهِ لَا كَلَّمْتُكَ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِإِعَادَةِ الْيَمِينِ مُكَلِّمًا لَهُ، وَلَوْ كَلَّمَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مَجْنُونٌ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ، وَكَانَ لَا يَعْلَمُ بِالْكَلَامِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ عَلِمَ بِالْكَلَامِ وَلَمْ يَفْهَمْهُ حَنِثَ، وَلَوْ كَلَّمَهُ وَهُوَ نَائِمٌ، فَإِنْ كَانَ كَلَامًا يوقظ

<<  <  ج: ص:  >  >>