لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ فِي أَهْلِ الْفَيْءِ إِلَّا مَنِ اسْتَكْمَلَ شُرُوطَ الْجِهَادِ فَصَارَ مِنْ أَهْلِهِ، فَحِينَئِذٍ يُثْبِتُ نَفْسَهُ فِي دِيوَانِ الْفَيْءِ وَيُفْرَضُ لَهُ مِنَ الْعَطَاءِ قَدْرُ كِفَايَتِهِ، وَشُرُوطُ الْجِهَادِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ فَرْضُ الْجِهَادِ بِهَا وَيَجُوزُ الدخول في أهل الفيء معها ستة وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا بَالِغًا عَاقِلًا حُرًّا مُسْلِمًا قَادِرًا عَلَى الْقِتَالِ، فَإِنْ أَخَلَّ بِشَرْطٍ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ وَلَا مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ فِي أَهْلِ الْفَيْءِ، وَإِنِ اسْتَكْمَلَهَا صَارَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَتَوَجَّهُ الْفَرْضُ إِلَيْهِ إِلَّا بِالِاسْتِطَاعَةِ، لِجَوَازِ أَنْ يَدْخُلَ فِي أَهْلِ الْفَيْءِ مَعَ عَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَطِيعُ بِعَطَائِهِ إِذَا أَخَذَهُ على القتال إذا ندب.
[مسألة:]
قال الشافعي: " فَإِنْ كَمَّلَهَا أَعْمَى لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ أَبَدًا أَوْ مَنْقُوصُ الْخَلْقِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ أَبَدًا لَمْ يُفْرَضْ لَهُ فَرْضُ الْمُقَاتِلَةِ وَأُعْطِيَ عَلَى كِفَايَةِ الْمَقَامِ وَهُوَ شَبِيهٌ بِالذُّرِّيَّةِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ.
إِذَا بَلَغَ الصِّغَارُ مِنْ ذُرِّيَّةِ أَهْلِ الْفَيْءِ بِالِاحْتِلَامِ أَوْ بِاسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يَخْلُ حَالُهُمْ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونُوا قَادِرِينَ عَلَى الْقِتَالِ أَوْ عَاجِزِينَ عَنْهُ، فَإِنْ كَانُوا قَادِرِينَ عَلَيْهِ خَرَجُوا مِنْ جُمْلَةِ الذُّرِّيَّةِ سَوَاءً كَانُوا مِنْ ذُرِّيَّةِ أَمْوَاتٍ أَوْ أَحْيَاءٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ جَعَلَ الْبُلُوغَ فَرْقًا بَيْنَ الذُّرِّيَّةِ وَالْمُقَاتِلَةِ، وَلِأَنَّ بُلُوغَ الذُّرِّيَّةِ يُسْقِطُ نَفَقَاتِهِمْ عَنِ الْمُقَاتِلَةِ فَخَرَجُوا مِنْ جُمْلَةِ الذُّرِّيَّةِ، ثُمَّ هُمْ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَكْتُبُوا أَنْفُسَهُمْ فِي دِيوَانِ الْفَيْءِ فَيَكُونُوا مِنْ أَهْلِهِ، وَبَيْنَ أَنْ لَا يَفْعَلُوا فَيُمْنَعُوا مِنَ الْفَيْءِ، وَيَصِيرُوا مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ وَإِنْ كَانُوا فُقَرَاءَ وَإِنْ بَلَغُوا عَاجِزِينَ عَلَى الْقِتَالِ لِعَمًى أَوْ زَمَانَةٍ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُثْبَتُوا فِي دِيوَانِ الْفَيْءِ مُنْفَرِدِينَ وَهَلْ يُبْقَوْا عَلَى حُكْمِ الذُّرِّيَّةِ فِي إِعْطَائِهِمْ مَالَ الْفَيْءِ تَبَعًا أَمْ لَا؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ بَاقُونَ عَلَى حُكْمِ الذَّرَارِي فِي مَنْعِهِمْ مِنْ مَالِ الصَّدَقَةِ وَإِعْطَائِهِمْ قَدْرَ الْكِفَايَةِ بَيْنَ مَالِ الْفَيْءِ، سَوَاءً كَانُوا ذُرِّيَّةً لِأَحْيَاءٍ أَوْ لِأَمْوَاتٍ، اسْتِصْحَابًا لِمَا تَقَدَّمَ فِي حُكْمِهِمْ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ قَدْ خَرَجُوا فِي حُكْمِ الذَّرَارِي لِتَمَيُّزِهِمْ بِالْبُلُوغِ، وَيُعْدَلُ بِهِمْ إِلَى مَالِ الصَّدَقَاتِ إِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِهَا، وَسَوَاءً كَانُوا ذُرِّيَّةً لِأَحْيَاءٍ أَوْ لِأَمْوَاتٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُمْ إِنْ كَانُوا مِنْ ذُرِّيَّةِ أَمْوَاتٍ مُنِعُوا مِنْ مَالِ الْفَيْءِ وَعُدِلَ بِهِمْ إِلَى مَالِ الصَّدَقَاتِ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ ذُرِّيَّةِ أَحْيَاءٍ بَقَوْا فِي مَالِ الْفَيْءِ عَلَى حُكْمِ الذَّرَارِي وَمُنِعُوا مَالَ الصَّدَقَاتِ، لِأَنَّ الْحَيَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَتْبُوعًا فِي مَالِ الْفَيْءِ لِبَقَاءِ عَطَائِهِ، وَالْمَيِّتَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَتْبُوعًا فِيهِ لِسُقُوطِ عَطَائِهِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنْ يُنْظَرَ فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَقْعَدَهُمْ عَنِ الْقِتَالِ مُوجِبًا لِنَفَقَاتِهِمْ عَلَى الْآبَاءِ بَعْدَ بُلُوغِهِمْ، كَوُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ فِي صِغَرِهِمْ كَالْجُنُونِ وَالزَّمَانَةِ الْمَانِعَةِ مِنَ الِاكْتِسَابِ بَقُوا عَلَى حُكْمِ الذَّرَارِي فِي مَالِ الْفَيْءِ، وَلَمْ يُعْدَلْ بِهِمْ إِلَى مَالِ الصَّدَقَاتِ سَوَاءً كَانُوا ذُرِّيَّةَ أَحْيَاءٍ أَوْ أَمْوَاتٍ؛ لِأَنَّ بقاء حكمهم في وجوب النفقة موجبا لبقائهم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute