للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِي إِرْهَاقِهِ عَلَى تَعْجِيلِ الْفَسْخِ إِدْخَالَ ضَرَرٍ عَلَيْهِ فَأُمْهِلَ مِنَ الزَّمَانِ أَكْثَرَ قليله وهو ثلاث ليزول بها الضرر على الزَّوْجَيْنِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَالَ الْمُسْتَحَقَّ بِالنِّكَاحِ مَوْضُوعٌ عَلَى الْمُيَاسَرَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْدِلَ بِهِ عَنْ مَوْضُوعِهِ فِي الْمُيَاسَرَةِ إِلَى إِرْهَاقٍ بِتَعْجِيلِ الْفَسْخِ، وَإِنْ نُظِرَ مِنَ الزَّمَانِ بِمَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ حد الإرهاق.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا تُمْنَعُ الْمَرْأَةُ فِي ثَلَاثٍ مِنْ أَنْ تَخْرُجَ فَتَعْمَلَ أَوْ تَسْأَلَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَفَقَتَهَا خُيِّرَتْ كَمَا وَصَفْتُ فِي هَذَا الْقَوْلِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا أَمْهَلَتِ الزَّوْجَةُ بِالْفَسْخِ ثَلَاثًا كَانَ لَهَا الْخُرُوجُ مِنْ مَنْزِلِهَا لِتَكْتَسِبَ نَفَقَتَهَا بِعَمَلٍ أَوْ مَسْأَلَةٍ وَلَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مَعَ تَعَذُّرِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا قِوَامَ لِبَدَنِهَا إِلَّا بِمَا يَقُوتُهَا، فَلَوْ وَجَدَتْ مِنَ الْمَالِ مَا تُنْفِقُهُ وَأَمَرَهَا بِالْمُقَامِ لِلْإِنْفَاقِ مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْهَا وَجَازَ لَهَا الْخُرُوجُ لِتَكْسِبَ، لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ عَلَيْهَا اكْتِسَابُ النَّفَقَةِ مِنَ الزَّوْجِ جَازَ لَهَا أَنْ تَكْتَسِبَهَا بِعَمَلٍ مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ فَلَوْ قَدَرَتْ عَلَى اكْتِسَابِ النَّفَقَةِ فِي مَنْزِلِهَا بِغَزْلٍ أَوْ خِيَاطَةٍ فَأَرَادَتِ الْخُرُوجَ لِلتَّكَسُّبِ بِعَمَلٍ فِي غَيْرِ مَنْزِلِهَا كَانَ ذَلِكَ لَهَا لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْحَجْرَ عَلَيْهَا فِي أَنْوَاعِ الْكَسْبِ، هَذَا فِي النَّهَارِ فَأَمَّا اللَّيْلُ فَعَلَيْهَا أَنْ تَرْجِعَ فِيهِ إِلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ زَمَانُ الْإِيوَاءِ دُونَ الْعَمَلِ وَالِاكْتِسَابِ فَإِنْ أَرَادَ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا فِي زَمَانِ الْإِنْظَارِ اسْتَحَقَّهُ لَيْلًا؛ لِأَنَّهُ زَمَانُ الدَّعَةِ، وَلَمْ يَسْتَحِقُّهُ نَهَارًا لِأَنَّهُ زَمَانُ الِاكْتِسَابِ، فَإِنِ امْتَنَعَتْ عَلَيْهِ فِي النَّهَارِ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهَا حُكْمُ النُّشُوزِ، وَكَانَتْ عَلَى حَقِّهَا مِنَ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ، وَإِنِ امْتَنَعَتْ عَلَيْهِ فِي اللَّيْلِ صَارَتْ نَاشِزًا وَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَهَكَذَا حُكْمُهَا إِذَا رَضِيَتْ بِالْمُقَامِ مَعَهُ عَلَى إِعْسَارِهِ مَكَّنَهَا مِنَ الِاكْتِسَابِ نَهَارًا وَاسْتَمْتَعَ بِهَا لَيْلًا وَكَانَتِ النَّفَقَةُ دَيْنًا عَلَيْهِ يُؤْخَذُ بِهَا بَعْدَ إِيسَارِهِ، فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ إِذَا سَقَطَ حَقُّهُ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا نَهَارًا أَنْ تَسْقُطَ عَنْهُ نَفَقَتُهَا كَمَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا لَوْ كَانَتْ أَمَةً فَاسْتَخْدَمَهَا بِالنَّهَارِ سَيِّدُهَا، قِيلَ: لِأَنَّ مَنْعَ الْأَمَةِ مِنْ جِهَتِهَا فَجَازَ أَنْ تَسْقُطَ بِهِ نَفَقَتُهَا وَمَنْعَ الْمُعْسِرِ مِنْ جِهَتِهِ فَلَمْ تَسْقُطْ به نفقتها.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ وَجَدَ نَفَقَتَهَا وَلَمْ يَجِدْ نَفَقَةَ خَادِمِهَا لم تخير لأنها تماسك بِنَفَقَتِهَا وَكَانَتْ نَفَقَةُ خَادِمِهَا دَيْنًا عَلَيْهِ مَتَى أَيْسَرَ أَخَذَتْهُ بِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا نَفَقَةُ الْخَادِمِ فَمُسْتَحَقَّةٌ لِمَنْ يُخْدَمُ مِثْلُهَا وَغَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ لِمَنْ لَا يُخْدَمُ مِثْلُهَا فَلَمْ تَكُنْ مِنْ حُقُوقِ كُلِّ زَوْجَةٍ، وَخَالَفَتِ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ لِكُلِّ زَوْجَةٍ فَإِذَا أَعْسَرَ الزَّوْجُ بِنَفَقَةِ خَادِمِهَا وَمِثْلُهَا يُخْدَمُ لَمْ تَسْتَحِقَّ بِهِ الْخِيَارَ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَبَعٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ، فَخَالَفَتْ فِي الْفَسْخِ حُكْمَ الْمَتْبُوعِ الْمَقْصُودِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>