وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرَهُ مِنْ وُجُوبِ دَمِ الْفَوَاتِ مُخَالَفَةً لِأَهْلِ الْحَرَمِ؛ وَهُوَ أَنَّ الْحَرَمَ مِيقَاتٌ لِأَهْلِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَلَيْسَ مَنْ كَانَ حَاضِرِي الْحَرَمِ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ، فَلَمْ يَجُزْ لهم الإحرام من المحرم، فَلَزِمَهُمُ الدَّمُ لِإِخْلَالِهِمْ بِالْإِحْرَامِ مِنْ مِيقَاتِهِمْ، وَأَمَّا قِيَاسُ أبي حنيفة عَلَى مِنًى وَعَرَفَاتٍ، فَالْمَعْنَى فِيهِمَا أَنَّهُمَا عَلَى مَسَافَةٍ لَا تُقْصَرُ فِي مثلها الصلاة.
وأما قوله " إنما جُعِلَتْ حَدًّا بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ "، فَغَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهَا جُعِلَتْ حَدًّا لِلْإِحْرَامِ، وَلَمْ تُجْعَلْ حَدًّا لِلْقُرْبِ وَالْبُعْدِ، وَلَوْ جُعِلَتْ حَدًّا لِلْقُرْبِ وَالْبُعْدِ لَاسْتَوَتِ الْمَوَاقِيتُ كُلُّهَا فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ.
فَصْلٌ
: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ حَاضِرِي الْحَرَمِ مَنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةٍ لَا تُقْصَرُ فِي مِثْلِهَا الصَّلَاةُ، فَكُلُّ مَنْ تَمَتَّعَ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمَ أَوْ حَاضِرِيهِ، فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْحَرَمِ وَحَاضِرِيهِ فَعَلَيْهِ إِذَا تَمَتَّعَ أَوْ قَرَنَ دَمٌ، لِتَمَتُّعِهِ أَوْ قِرَانِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ بِهِ سُقُوطُ أَحَدِ الْمِيقَاتَيْنِ، لِأَنَّهُ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنَ الْحَرَمِ، وَقَدْ كَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ، فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَمَتَّعَ وَلَهُ وَطَنَانِ، أَحَدُهُمَا بِالْحَرَمِ أَوْ حَاضِرِيهِ، وَالثَّانِي بِغَيْرِهِ، اعْتُبِرَ أَكْثَرُ مُقَامِهِ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ مُقَامِهِ بِالْحَرَمِ فَهُوَ فِي حُكْمِ أَهْلِهِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ فِي تَمَتُّعِهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ مُقَامِهِ بِغَيْرِ الْحَرَمِ وَحَاضِرِيهِ وَجَبَ تَغْلِيبُ حُكْمِهِ وَلَزِمَهُ الدَّمُ؛ لِتَمَتُّعِهِ، وَإِنِ اسْتَوَى مُقَامُهُ فِيهِمَا اعْتُبِرَ حَالُ مَآلِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا: أَوْ كَانَ فِيهِمَا، أَوْ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ، غَلَبَ حُكْمُ الْوَطَنِ الَّذِي فِيهِ جَمِيعُ مَآلِهِ أَوْ أَكْثَرُهُ، فَإِنِ اسْتَوَى مَآلُهُ فِي الْوَطَنَيْنِ اعْتُبِرَتْ نِيَّتُهُ فِي العود إلى أحد الوطنين، وغلب حكمه، فإن استوى مآله من الْوَطَنَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا: غَلَبَ حُكْمُ الْبَلَدِ الَّذِي خَرَجَ بِهِ.
: فَلَوْ أَنَّ عِرَاقِيًّا دَخَلَ مَكَّةَ وَنَوَى الْمُقَامَ بِهَا، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ التَّمَتُّعَ بَعْدَ مُقَامِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ، لِأَنَّهُ تَمَتَّعَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَلَوْ أَنَّ مَكِّيًّا دَخَلَ الْعِرَاقَ وَنَوَى بِهَا الْمُقَامَ ثُمَّ تَمَتَّعَ لَزِمَهُ الدَّمُ لِتَمَتُّعِهِ؛ لِأَنَّهُ تَمَتَّعَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَلَكِنْ لَوْ تَمَتَّعَ الْعِرَاقِيُّ، ثُمَّ نَوَى الْمُقَامَ بِمَكَّةَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ دَمُ التمتع (فوجوبه عَلَيْهِ قَبْلَ مُقَامِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ: فَلَوْ تَمَتَّعَ الْعِرَاقِيُّ. فَحِينَ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ نَوَى الْمُقَامَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ دَمُ التَّمَتُّعِ) وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا لِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، إِلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا فِعْلُ الْإِقَامَةِ، وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِ الْإِقَامَةِ قَبْلَ حَجِّهِ لِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى مِنًى وَعَرَفَاتٍ، فَكَانَ يُعَدُّ فِي حُكْمِ الْمُسَافِرِ وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ دم التمتع.
: فَإِذَا فَرَغَ الْمُتَمَتِّعُ مِنْ عُمْرَتِهِ وَأَحَلَّ مِنْهَا، فَهُوَ حَلَالٌ كَغَيْرِهِ، وَلَهُ أَنْ يَتَطَيَّبَ وَيَسْتَمْتِعَ بِالنِّسَاءِ، مَا لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ، سَوَاءٌ سَاقَ هَدْيًا أَوْ لَمْ يَسُقْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute