للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَتَدَاخَلُ الْعِدَّتَانِ إِذَا كَانَتَا فِي حَقِّ شَخْصَيْنِ، وَيَكُونُ الْقُرْءَانِ الْبَاقِيَانِ مُخْتَصَّيْنِ بِعِدَّةِ الْوَطْءِ دُونَ الطَّلَاقِ وَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا فِيمَا بَقِيَ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا مِنْ عِدَّةِ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ.

وَالرَّجْعَةُ لَا تَصِحُّ مِنْ بَائِنٍ لَكِنْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِيمَا بَقِيَ مِنْ عِدَّةِ الْوَطْءِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ إِلَّا بَعْدَ انْقِضَائِهَا لِأَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ عَلَيْهَا لِحِفْظِ مَاءٍ مُسْتَحَقٍّ، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ كَانَ مَاؤُهُ مَحْفُوظًا فَجَازَ، وَإِذَا تَزَوَّجَهَا غَيْرُهُ كَانَ مُضَاعًا فَلَمْ يَجُزْ.

وَأَمَّا الْوَلَدُ فَلَا حَقَّ لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهَا فِرَاشٌ لَهُ بِالْعَقْدِ، وَفِرَاشٌ بِمَا اسْتُحْدِثَ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ فَإِنْ وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَطْءِ انْقَضَتْ بِهِ عِدَّةُ الطَّلَاقِ، وَكَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ مَا لَمْ تَضَعْ، فَلَمْ تَنْتَقِضْ بِهِ عِدَّةُ الْوَطْءِ، وَاسْتَقْبَلَتْ جَمِيعَ أَقْرَائِهَا بَعْدَ الْوَضْعِ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَقْرَائِهَا كَانَ قَبْلَ الْوَطْءِ، وَإِنْ وَضَعَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ انْقَضَتْ بِهِ الْعِدَّتَانِ مَعًا، وَكَانَ عَلَى رَجْعِيَّتِهِ مَا لَمْ تَضَعْ سَوَاءٌ حَاضَتْ عَلَى الْحَمْلِ أَوْ لَمْ تَحِضْ؛ لِأَنَّ حَيْضَهَا عَلَى الْحَمْلِ لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنَ الْأَقْرَاءِ وَإِنْ أُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْحَيْضِ.

(مَسْأَلَةٌ:)

قَالَ الشافعي: (وَلَوْ أَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا وَلَمْ تَعْلَمْ بِذَلِكَ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ فَنِكَاحُهَا مَفْسُوخٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إِنْ كَانَ مَسَّهَا وَهِيَ زَوْجَةُ الْأَوَّلِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (إِذَا أَنْكَحَ الْوَلِيَّانِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ) وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هِيَ امْرَأَةُ الْأَوَّلِ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ (قال الشافعي) رحمه الله وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً لَمْ يُفْسَخْ نِكَاحُ الْآخَرِ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَمُقَدِّمَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرَّجْعَةَ تَصِحُّ بِغَيْرِ عِلْمِ الزَّوْجَةِ، لِأَنَّ رِضَاهَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بِخِلَافِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ رَفْعُ تَحْرِيمٍ طَرَأَ عَلَى عَقْدِ النِّكَاحِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ رِضَاهَا فِي رَفْعِهِ كَالظِّهَارِ وَالْإِحْرَامِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ رضاها معتبراً بما ذكرنا فعلمها وغير معتبر كالطلاق، لأن إعلانها مقصود به الرضا قثبت بذلك أن الرجعة بعلمها وغير علمها، ومعه حُضُورِهَا وَغَيْبَتِهَا جَائِزَةٌ، فَلَوْ طَلَّقَهَا وَغَابَ وَتَزَوَّجَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَقَدِمَ الزَّوْجُ فَادَّعَى أَنَّهُ رَاجَعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَهُ حَالَتَانِ: حَالٌ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجْعَتِهِ، وَحَالٌ يُعْدَمُهَا، فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهَا، وَهِيَ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ لَا غَيْرَ كَانَ نِكَاحُ الثَّانِي بَاطِلًا سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَمْ لَمْ يَدْخُلْ.

وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي كَانَ أَحَقَّ بِهَا مِنَ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا كَانَ الْأَوَّلُ أَحَقَّ بِهَا مِنَ الثَّانِي كَمَا قَالَ فِي الْوَلِيَّيْنِ إِذَا زَوَّجَا امْرَأَةً، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>