إِبَاحَتِهِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ يَشْتَمِلُ عَلَى خَمْسَةِ فُصُولٍ فِي الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ وَالْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ وَالْوَلَدِ فَأَمَّا الْحَدُّ فَلَا يَجِبُ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ وَطْءٌ مُخْتَلَفٌ فِي إِبَاحَتِهِ، فَأَشْبَهَ الْوَطْءَ فِيمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَالشِّغَارِ، وَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوْجَةٌ لِتَوَارُثِهِمَا وَإِنْ حُرِّمَ وَطْؤُهَا كَالْمُحْرِمَةِ وَالْحَائِضِ.
وَأَمَّا التَّعْزِيرُ فَإِنِ اعْتَقَدَ إِبَاحَتَهُ أَوْ جَهِلَ تَحْرِيمَهُ فَلَا تَعْزِيرَ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الشُّبْهَةُ مُسْقِطَةً لِلْحَدِّ فَأَوْلَى أَنْ تُسْقِطَ التَّعْزِيرَ، وَإِنِ اعْتَقَدَا تَحْرِيمَهُ وَلَمْ يَجْهَلَاهُ عُزِّرَا فَإِنِ اعْتَقَدَ أَحَدُهُمَا تَحْرِيمَهُ وَجَهِلَهُ الْآخَرُ عُزِّرَ الْعَالِمُ مِنْهُمَا دُونَ الْجَاهِلِ.
وَأَمَّا الْمَهْرُ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ بِهَذَا الْوَطْءِ، لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ فَهِيَ جَارِيَةٌ فِي الْبَيْنُونَةِ فَأَشْبَهَ وَطْءَ زَوْجَتِهِ الْمُرْتَدَّةِ فِي عِدَّتِهَا، وَوَطْءَ مِنْ أَسْلَمَ عَنْ دِينِهِ فِي عدتها يلزمها مَهْرُ الْمِثْلِ بِوَطْئِهَا؛ لِأَنَّهُمَا وَطِئَا مَنْ هِيَ جَارِيَةٌ فِي فَسْخٍ، فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ بِوَطْئِهِ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ أَنْ يُرَاجِعَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ لَا يُرَاجِعَ، فَإِنْ لَمْ يُرَاجِعِ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ وُجُوبُ الْمَهْرِ، وَإِنْ رَاجَعَ فَالَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْمُهْرَ لَا يَسْقُطُ الرجعة وَقَالَ فِي وَطْءِ الْمُرْتَدَّةِ وَالْحَرْبِيَّةِ، إِنَّ الْمُهْرَ يَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ يَنْقُلُ جَوَابَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى وَيُخْرِجُهَا عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَهْرَ يَسْقُطُ بِالرَّجْعَةِ وَبِإِسْلَامِ الْمُرْتَدَّةِ وَالْحَرْبِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا بِالرَّجْعَةِ وَالْإِسْلَامِ تَكُونُ مَعَهُ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ فَلَا يَجُبْ فِيهِ مَهْرَانِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ الْمَهْرَ لَا يَسْقُطُ بِالرَّجْعَةِ وَلَا بِإِسْلَامِ الْمُرْتَدَّةِ وَلَا الْحَرْبِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ بِالْوَطْءِ فَلَمْ يَسْقُطْ معه الوجوب كما لو لم يرتجع وَلَمْ يُسْلِمْ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا: جَوَابَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَلَا يَسْقُطُ وَطْءُ الْمُطَلَّقَةِ بِالرَّجْعَةِ، وَيَسْقُطُ وَطْءُ الْمُرْتَدَّةِ وَالْحَرْبِيَّةِ بِالْإِسْلَامِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَرْفَعُ مَا وَقَعَ مِنَ الطَّلَاقِ وَلِأَنَّهَا تَكُونُ مَعَهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِسْلَامُ؛ لِأَنَّهُ يَرْفَعُ حُكْمَ الرِّدَّةِ وَالشِّرْكَ، وَيَكُونُ مَعَهُ بِعَدَدِ الطَّلَاقِ الَّذِي مَلَكَهُ بِالنِّكَاحِ، فَصَارَ الطَّلَاقُ خَارِمًا لِلنِّكَاحِ، وَالرِّدَّةُ لَمْ تَخْرِمْهُ.
وَأَمَا الْعِدَّةُ فَوَاجِبَةٌ بِهَذَا الْوَطْءِ؛ لِأَنَّهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ فَاشْتَبَهَ وَطْءَ الْأَجْنَبِيَّةِ بِشُبْهَةٍ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْتَأْنِفَ ثَلَاثَةَ أَقْرَاءٍ بَعْدَ هَذَا الْوَطْءِ، إِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ وَيَكُونُ الْبَاقِي مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ نَائِيًا عَنِ الْعِدَّةِ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ مُخْتَصًّا بِعِدَّةِ الْوَطْءِ.
مِثَالُهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ وَطِئَهَا بَعْدَ قُرْأَيْنِ مِنْ عِدَّتِهَا، وَبَقِيَ مِنْهَا قُرْءٌ فَتَأْتِي بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ مِنْهَا قُرْءٌ عَنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَالْوَطْءِ، لِأَنَّهُمَا فِي حَقِّ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَتَدَاخَلَتَا، وَإِنَّمَا لا