للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ جَوَازُهُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِأَصْلٍ صَارَ إِلَى مشترٍ وَاحِدٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ جَمَعَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِتَفَرُّدِ كُلِّ عَقْدٍ بِحُكْمِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا جَوَّزْتُمُ الْمُخَابَرَةَ عَلَى الْبَيَاضِ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ عَلَى النَّخْلِ فَهَلَّا جَوَّزْتُمْ إِجَارَةَ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ تَبَعًا لِإِجَارَةِ الْأَرْضِ.

قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُسَاقَاةَ وَالْمُخَابَرَةَ لَا تَتَجَانَسَانِ لِأَنَّهُمَا أَعْيَانٌ تُؤْخَذُ مِنْ أُصُولٍ بَاقِيَةٍ فَجَازِ الْعَقْدُ عَلَيْهِمَا تَبَعًا لِتَجَانُسِهِمَا، وَإِجَارَةُ النَّخْلِ وَالْأَرْضِ مُخْتَلِفَتَانِ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْإِجَارَةِ فِي الْأَرْضِ آثَارٌ وَمَنَافِعَ الْإِجَارَةِ فِي النَّخْلِ أَعْيَانٌ فَلَمْ يَجُزِ الْعَقْدُ عَلَيْهِمَا تَبَعًا لِاخْتِلَافِهِمَا.

فَصْلٌ

: وَلَوْ كَانَ بَيْنَ نَخْلِ الْمُسَاقَاةَ زَرْعٌ لِرَبِّ النَّخْلِ كَالْمَوْزِ وَالْبِطِّيخِ وَقَصَبِ السُّكَّرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْحُبُوبِ فَسَاقَاهُ عَلَى النَّخْلِ وَالزَّرْعِ مَعًا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِيهِمَا بِالنِّصْفِ مِنْهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي الزَّرْعِ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ فِي النَّخْلِ كَمَا تَجُوزُ الْمُخَابَرَةُ تَبَعًا وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُسَاقَاةَ فِي الزَّرْعِ لَا تَجُوزُ تَبَعًا، وَإِنْ جَازَتِ الْمُخَابَرَةُ تَبَعًا.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُسَاقَاةَ عَلَى الزَّرْعِ هِيَ اسْتِحْقَاقُ بَعْضِ الْأَصْلِ وَالْمُخَابَرَةَ عَلَى الْأَرْضِ لَا يَسْتَحِقُّ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْأَصْلِ.

مَسْأَلَةٌ

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَيْسَ لِلْمُسَاقِي فِي النَّخْلِ أَنْ يَزْرَعَ الْبَيَاضَ إِلَّا بِإِذْنِ رَبِّهِ فَإِنْ فَعَلَ فَكَمَنْ زَرَعَ أَرْضَ غَيْرِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، لَا يَجُوزُ لِلْعَامِلِ فِي الْمُسَاقَاةِ أَنْ يَزْرَعَ الْبَيَاضَ الَّذِي بَيْنَ النَّخْلِ إِلَّا بِعَقْدٍ مِنْ مَالِكِهِ أَوْ إِذْنٍ مِنْ جِهَتِهِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: لَهُ أَنْ يَزْرَعَ الْبَيَاُضَِ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهِ إِذَا كَانَ أَقَلَّ مِنَ الثُّلُثِ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ ما كان تبعاً للعقد ودخل فِيهِ بِغَيْرِ شَرْطٍ كَالْحَمْلِ وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ.

وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ لَا يَدْخُلُ فِيهَا إلى الْمُسَمَّى بِهَا. وَلَيْسَ كُلُّ مَا صَحَّ دُخُولُهُ فِيهَا تَبَعًا بِشَرْطٍ دَخَلَ فِيهَا تَبَعًا بِغَيْرِ شَرْطٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَالَ الْعَبْدِ يَصِحُّ دُخُولُهُ فِي الْعَقْدِ تَبَعًا بِشَرْطٍ وَلَا يُدْخِلُهُ تَبَعًا بِغَيْرِ شَرْطٍ، وَكَذَلِكَ الثَّمَرَةُ الْمُؤَبَّرَةُ تَتْبَعُ النَّخْلَ بِشَرْطٍ وَلَا تَتْبَعُهَا بِغَيْرِ شَرْطٍ، وَفَارَقَ ذَلِكَ الْحَمْلُ وَاللَّبَنُ، لِأَنَّهُمَا مِمَّا لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهِمَا مُفْرَدًا بِوَجْهٍ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَا تَبَعًا لِأَصْلِهِمَا بِغَيْرِ شَرْطٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَالُ الْعَبْدِ وَالثَّمَرَةُ، لِأَنَّ إِفْرَادَ الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا قَدْ يَجُوزُ عَلَى وَجْهٍ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتْبَعَ أَصْلَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ، كَذَلِكَ بَيَاضُ الْأَرْضِ لَمَّا جَازَ أَنْ يُفْرَدَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ بِالْإِجَارَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ تَبَعًا بِغَيْرِ شَرْطٍ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنْ لَيْسَ لِلْعَامِلِ زَرْعُهُ بِغَيْرِ إِذْنِ رَبِّهِ فَزَرَعَهُ فَهُوَ كَمَنْ زَرَعَ أَرْضَ غَيْرِهِ غَصْبًا فَيَكُونُ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِقَلْعِهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى تَرْكِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>