فَإِنَّهُ يَطْرَحُ الشَّكَّ وَيَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ وَيَأْتِي بِمَا شَكَّ فِي فِعْلِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ " فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الشَّكُّ مُطْرَحًا وَالْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ وَاجِبٌ، وَالْيَقِينُ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمَا شَكَّ بِالْإِتْيَانِ بِهِ
[(مسألة)]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنِ اسْتَيْقَنَ السَّهْوَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ سَجَدَ للسهو أم لا؟ سجدهما وإن شك هل سجد سجدة أو سجدتين سجد أخرى "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: صُورَتُهَا فِي رَجُلٍ تَيَقَّنَ أَنَّهُ أَتَى فِي صَلَاتِهِ بِمَا يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ مِثْلُ سَلَامٍ، أَوْ كَلَامٍ، أَوْ تَرْكِ تَشَهُّدٍ أَوْ قُنُوتٍ، ثُمَّ شَكَّ هَلْ أَتَى بِسُجُودِ السَّهْوِ لِأَجْلِهِ أَمْ لَا؟ فَهَذَا شَكٌّ حَصَلَ في نصان فَعَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِهِ لِيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ فِعْلِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ سَجَدَ إِحْدَى السَّجْدَتَيْنِ، ثُمَّ شَكَّ فِي الثَّانِيَةِ فَعَلَيْهِ الْإِتْيَانُ بِهَا لِيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ فِعْلِهَا
(فَصْلٌ)
: وَلَوْ سَهَا فِي سُجُودِ السَّهْوِ كَأَنْ سَجَدَ إِحْدَى السَّجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ أَوْ قَامَ سَاهِيًا قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِالسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ نَصٌّ فِي حُكْمِ هَذَا السَّهْوِ، وَلَكِنْ مَذْهَبُ سَائِرِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ قَوْلُ كَافَّةِ الْفُقَهَاءِ أنَّهُ لَا حُكْمَ لِهَذَا السَّهْوِ؛ بَلْ يَأْتِي بِالسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ وَيُسَلِّمُ، لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ نَفْسَهُ جُبْرَانٌ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى جُبْرَانٍ كَصَوْمِ الْمُتَمَتِّعِ لَمَّا كَانَ جُبْرَانًا لَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى جُبْرَانٍ فِي تَأْخِيرِهِ وَلَزِمَهُ ذَلِكَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجُبْرَانٍ
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ وَحْدَهُ: يَسْجُدُ لِهَذَا السَّهْوِ سَجْدَتَيْنِ، وَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمُ السَّهْوِ فِي غَيْرِهِ فَتَكُونُ السَّجْدَةُ الْأُولَى مِنْ هَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ نَائِبَةً عَنِ السَّهْوِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي سُجِدَتِ الثَّانِيَةُ نَائِبَةً عَنِ السَّهْوِ الثَّانِي، وَنَظِيرُهُ الْمُعْتَدَّةُ إِذَا وَطِئَهَا الزَّوْجُ بِشُبْهَةٍ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ عِدَّتِهَا قُرْءٌ فَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ مِنْ هَذَا الْوَطْءِ فَالْقُرْءُ الْأَوَّلُ نَائِبٌ عَنِ الْعِدَّةِ الْأُولَى، وَالثَّانِي نَائِبٌ عَنِ الْعِدَّةِ الثَّانِيَةِ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ، وَهَذَا التَّشْبِيهُ يَصِحُّ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْحُكْمِ، فَأَمَّا مَعَ فَسَادِ مَا ذَكَرْنَا فَلَا، فَأَمَّا إِذَا سَهَا بعد فراغه من سجود السهو قبل سَلَامِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا مُحْتَمَلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا سُجُودَ لِلسَّهْوِ عَلَيْهِ لِلْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، لِأَنَّ السَّهْوَ لَمْ يَقَعْ فِي الْجُبْرَانِ فَيَمْتَنِعُ مِنْ جُبْرَانِهِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ فَكَانَ بِالسَّاهِي قبل سجوده أشبه
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ سَهَا سَهْوَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا سَجْدَتَا السَّهْوِ "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا كَثُرَ سَهْوُهُ فِي صَلَاتِهِ فَسَجْدَتَا السَّهْوِ تَنُوبُ عَنْ جَمِيعِ سَهْوِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: عَلَيْهِ لِكُلِّ سهو سجدتان
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute