للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَبَ عَلَيْهِ إِجَابَتُهُ وَالْحُضُورُ لِمُحَاكَمَتِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سمعنا وأطعنا} .

فَإِنِ امْتَنَعَ وَحَضَرَ الطَّالِبُ مُسْتَعْدِيًا إِلَى الْقَاضِي عَلَى خَصْمِهِ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْخَصْمِ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا فِي بَلَدِ الْقَاضِي أَوْ غائبا عنه.

(الخصم الحاضر في بلد القاضي) .

فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فِي بَلَدِهِ: وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي إِعْدَاءُ الْمُسْتَعْدِي وَإِحْضَارُ خَصْمِهِ لِمُحَاكَمَتِهِ قَبْلَ سَمَاعِ الدَّعْوَى وَتَحْرِيرِهَا سَوَاءٌ عَرَفَ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةً أَوْ لَمْ يَعْرِفْ.

وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْضِرَهُ إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَانَةِ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةً أَوْ خُلْطَةً فَيُحْضِرُهُ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهَا لَمْ يَحْضُرِ احْتِجَاجًا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " لَا يُعْدِي الْحَاكِمُ عَلَى خَصْمٍ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ بَيْنَهُمْ مُعَامَلَةً " وَلَا مُخَالِفَ لَهُ.

وَلِأَنَّ فِيهِ اسْتِبْذَالُ أَهْلِ الصِّيَانَةِ بِمَا لَا يُعْلَمُ اسْتِحْقَاقُهُ فَوَجَبَ حِفْظُ صِيَانَتِهِمْ إِلَّا بِمُوجِبٍ.

وَدَلِيلُنَا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مَا رَوَاهُ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ عَنِ الْهِرْمَاسِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ اسْتَعْدَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على رجل في حق له فقال له الْزَمْهُ.

وَلَمْ يَسْتَعْلِمْ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُعَامَلَةِ فَدَلَّ عَلَى عُمُومِ الْإِعْدَاءِ فِي الْجَمِيعِ.

وَلِأَنَّ الْحُقُوقَ قَدْ تَثْبُتُ تَارَةً عَنْ مُعَامَلَةٍ وَتَارَةً عَنْ غَيْرِ مُعَامَلَةٍ كَالْغُصُوبِ وَالْجِنَايَاتِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَجْعَلَ الْمُعَامَلَةَ شَرْطًا فِي الْإِعْدَاءِ.

وَلِأَنَّ الْحُقُوقَ لَا يَجُوزُ أَنْ تُضَاعَ لِحِفْظِ الصِّيَانَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحُضُورِ لِلْمُحَاكَمَةِ اسْتِبْذَالٌ لِلصِّيَانَةِ. وَقَدْ قَاضَى عُمَرُ أُبَيًّا إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَقَاضَى عَلِيٌّ يَهُودِيًّا إِلَى شُرَيْحٍ.

وَالْخَبَرُ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ غَيْرُ ثَابِتٍ وَلَوْ ثَبَتَ لَكَانَ الْقِيَاسُ أَقْوَى وَالْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى.

وَعَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي فِي أَهْلِ الصِّيَانَةِ أَنْ يُفْرِدَهُمْ عَنْ مَجْلِسِ الْعَامَّةِ وَيَنْظُرَ بَيْنَهُمْ فِي مَنْزِلِهِ بِحَيْثُ يَحْفَظُ بِهِ صِيَانَتَهُمْ.

(فَصْلٌ: [استدعاء الخصم] )

وَإِذَا وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُعْدِيَ كُلَّ مُسْتَعْدٍ إِلَيْهِ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ كَذِبَهُ كَانَ الْقَاضِي فِي إِعْدَائِهِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُنْفِذَ مَعَهُ عَوْنًا مِنْ أُمَنَائِهِ يُحْضِرُهُ إِلَيْهِ وَبَيْنَ أَنْ يَخْتِمَ لَهُ فِي طِينٍ بِخَاتَمِهِ الْمَعْرُوفِ يَكُونُ عَلَامَةَ اسْتِدْعَائِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَجْمَعَ لَهُ بَيْنَ الْعَوْنِ وَالْخَتْمِ بِحَسْبِ مَا يُؤَدِّيهِ الِاجْتِهَادُ إِلَيْهِ مِنْ قُوَّةِ الْخَصْمِ وَضَعْفِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>