للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّعْلِيمَ قَدْ صَارَ بِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ مَعْلُومًا، وَإِنْ كَانَ عَيْنُهُ مَجْهُولًا، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ عَلَيَّ أَنْ أَخْدِمَكَ شَهْرًا فَيَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنِ الْخِدْمَةَ، كَمَا يَجُوزُ إِذَا أَطْلَقَ الْمُدَّةَ وَعَيَّنَ الْخِدْمَةَ، ثُمَّ لَهَا أَنْ تَأْخُذَهُ بِتَعْلِيمِ مَا شَاءَتْ مِنَ الْقُرْآنِ لَا بِمَا شَاءَ الزَّوْجُ، كمن استؤجر لخدمة شهر، كان للمستأجر أن يستخدمه فِيمَا شَاءَ دُونَ الْمُؤَجَّرِ.

فَصْلٌ: الْقَوْلُ فِي صِفَةِ التَّعْلِيمِ

فَأَمَّا صِفَةُ التَّعْلِيمِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُعَلِّمَهَا السُّورَةَ آيَةً بَعْدَ آيَةٍ، حَتَّى إِذَا حَفِظَتِ الْآيَةَ عَدَلَ بِهَا إِلَى مَا بَعْدَهَا حَتَّى تَخْتِمَ السُّورَةَ.

وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِذَا حَفِظَتِ السُّورَةَ أَنْ يُدَرِّسَهَا إِيَّاهَا؛ لِأَنَّ التَّدْرِيسَ مِنْ شُرُوطِ الْحِفْظِ لَا مِنْ شُرُوطِ التَّعْلِيمِ. فَلَوْ شَرَطَتْ عَلَيْهِ حِفْظَ الْقُرْآنِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ حِفْظَهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا إِلَيْهِ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَهَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يُعَلِّمَهَا فَتَحْفَظَ مَا عَلَّمَهَا بِأَيْسَرِ تَعْلِيمٍ وَأَسْهَلِهِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ وَقَدْ وَفَّى مَا عَلَيْهِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يُعَلِّمَهَا فَتَتَعَلَّمَ فِي الْحَالِ ثُمَّ تَنْسَى مَا تَعَلَّمَتْهُ، فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ تَتَعَلَّمَ جَمِيعَ السُّورَةِ ثُمَّ تَنْسَاهَا، فَقَدِ اسْتَقَرَّ التَّسْلِيمُ وَوَفَّى مَا عَلَيْهِ مِنَ التَّعْلِيمِ، فَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُعَلِّمَهَا ثَانِيَةً.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يُلَقِّنَهَا مِنْهُ يَسِيرًا لَا يَخْتَصُّ بِالْإِعْجَازِ كَبَعْضِ آيَةٍ، فَالتَّسْلِيمُ لَمْ يَسْتَقِرَّ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُعَلِّمَهَا.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يُعَلِّمَهَا قَدْرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِعْجَازُ، فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَسْلِيمٌ مُسْتَقِرٌّ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَدْرُ بِانْفِرَادِهِ مَهْرًا فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُهُ تَعْلِيمُهَا ثَانِيَةً.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ تَسْلِيمٌ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُ جُمْلَةٍ غَيْرِ مُتَمَيِّزَةٍ، فَعَلَى هَذَا يلزمه تعليمها ثانية.

والحال الثالث: أَنْ يُعَلِّمَهَا فَتَكُونَ بَلِيدَةً، قَلِيلَةَ الذِّهْنِ، لَا تَتَعَلَّمُ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ وَعَنَاءٍ، فَهَذَا عَيْبٌ، يَكُونُ الزَّوْجُ فِيهِ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْمُقَامِ عَلَيْهِ وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ فَيَعْدِلَ إِلَى بَدَلِهِ، وَفِي بَدَلِهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْقَدِيمُ: أُجْرَةُ مِثْلِ التَّعْلِيمِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الْجَدِيدُ: عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ. وَسَنَذْكُرُ تَوْجِيهَ الْقَوْلَيْنِ مِنْ بَعْدُ.

وَالْحَالَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ لَا تَقْدِرُ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ بِحَالٍ فَفِي الصَّدَاقِ وَجْهَانِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>