للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أن الرجل المسلم يقبل قوله في سنه فلم يحتج إلى الاستدلال بغيره، وأهل الشرك لا يقبل قولهم في سنهم فَاحْتَجْنَا إِلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْإِنْبَاتِ عَلَى بُلُوغِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُسْلِمَ تَخِفُّ أَحْكَامُهُ بِالْبُلُوغِ فَاتُّهِمَ فِي مُعَالَجَةِ الْإِنْبَاتِ وَالْمُشْرِكُ تَتَغَلَّظُ أَحْكَامُهُ بِالْبُلُوغِ فَلَمْ يتهم في معالجة الإنبات.

[(مسألة)]

قال الشافعي: " وَجُمْلَةُ الْحِرْزِ أَنْ يُنْظَرَ إِلَى الْمَسْرُوقِ فَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي سُرِقَ مِنْهُ يَنْسُبُهُ الْعَامَّةُ إلى أنه حرز في مثل ذَلِكَ الْمَوْضِعِ قُطِعَ إِذَا أَخْرَجَهَا مِنَ الْحِرْزِ وَإِنْ لَمْ يَنْسُبْهُ الْعَامَّةُ إِلَى أَنَّهُ حِرْزٌ لَمْ يُقْطَعْ وَرِدَاءُ صَفْوَانَ كَانَ مُحْرَزًا بِاضْطِجَاعِهِ عليه فقطع عليه السلام سَارِقَ رِدَائِهِ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا هُوَ الشَّرْطُ الثَّانِي فِي الْقَطْعِ وَهُوَ الْحِرْزُ فَلَا يَجِبُ الْقَطْعِ إِلَّا فِي السَّرِقَةِ مِنْ حِرْزٍ، وَالسَّرِقَةُ أخذ الشيء على سبيل الاستخفاء، فإن جاهر بأخذه غصباً أو نهباً واختلاساً فَلَيْسَ بِسَارِقٍ وَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا الْحِرْزُ فَهُوَ مَا يَصِيرُ الْمَالُ بِهِ مَحْفُوظًا عَلَى مَا سَنَصِفُهُ، فَإِنْ كَانَ الْمَالُ فِي غَيْرِ حِرْزٍ فَلَا قَطْعَ فِيهِ، فَإِذَا اسْتَكْمَلَ هَذَانِ الشَّرْطَانِ مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَدْرِ النِّصَابِ وَجَبَ الْقَطْعُ حِينَئِذٍ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ.

وَقَالَ دَاوُدُ: لَا اعْتِبَارَ بِالْحِرْزِ وَالْقَطْعُ وَاجِبٌ بِالسَّرِقَةِ مِنْ حِرْزٍ وَغَيْرِ حِرْزٍ.

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا اعْتِبَارَ بِالسَّرِقَةِ وَالِاسْتِخْفَاءِ وَالْقَطْعُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُجَاهِرِ بِأَخْذِ الْمَالِ بِغَصْبٍ أَوِ انْتِهَابٍ أَوِ اخْتِلَاسٍ حَتَّى لَوْ خَانَ أَوْ جَحَدَ وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَّةً وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ.

وَاسْتَدَلَّ دَاوُدُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ واستدل أحمد برواية ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما أَنَّ امْرَأَةً مَخْزُومِيَّةً كَانَتْ تَسْتَعِيرُ وَتَجْحَدُ فَقَطَعَهَا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

وَالدَّلِيلُ عَلَى دَاوُدَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لا قطع في ثمر ولا كَثَرٍ) فَأَسْقَطَ الْقَطْعَ فِيهِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْرَزٍ ثُمَّ قَالَ: " فَإِذَا آوَاهُ الْجَرِينُ فَفِيهِ الْقَطْعُ) لأنه قد صار حرزاً بِهِ.

وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن حريسة

<<  <  ج: ص:  >  >>