للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحدهما: إن اشتراط القطع شرط في صِحَّةِ الرَّهْنِ، فَإِنْ رُهِنَتْ بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ كَانَ رَهْنًا بَاطِلًا كَالْبَيْعِ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَنْصُوصٌ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ صَحَّ رَهْنُهَا بِاشْتِرَاطِ قَطْعِهَا فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ بِعْتُهَا عَلَى رؤوس النَّخْلِ قَبْلَ الْقَطْعِ، وَقَالَ الرَّاهِنُ لَسْتُ أَبِيعُهَا إِلَّا بَعْدَ الْقَطْعِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ لِأَجْلِ شَرْطِهِ، وَيُؤْخَذُ الْمُرْتَهِنُ بِقَطْعِهِ قَبْلَ بَيْعِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: نَصَّ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَهُوَ الصحيح: إِنَّ اشْتِرَاطَ الْقَطْعِ فِيهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صحة الرهن، فَإِنْ رَهَنَهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ صَحَّ الرَّهْنُ، وَوَجَبَ بِالْقَطْعِ، فَإِنْ رَهَنَهَا بِغَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ صَحَّ الرَّهْنُ وَلَمْ يَجِبِ الْقَطْعُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنِ الْقَطْعُ فِي صِحَّةِ الرَّهْنِ شَرْطًا، وَإِنْ كَانَ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ شَرْطًا، أَنَّ فِي الْبَيْعِ ثَمَنًا مَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنَ اسْتِحْلَالِهِ فِي الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ فِيمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ " فَكَانَ الْقَطْعُ شَرْطًا فِي صحته، لأن لا يُؤَدِّيَ إِلَى اسْتِحْلَالِ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، وَلِأَنَّ حُصُولَهُ فِي يَدِ مُشْتَرِيهِ، وَالرَّهْنُ لَا يُقَابِلُ ثَمَنًا، وَإِنَّمَا دَخَلَ فِي الْحَقِّ وَثِيقَةً، فَلَمْ يَكُنِ الْقَطْعُ فِي صِحَّتِهِ شَرْطًا.

(فَصْلٌ)

وَإِذَا رُهِنَتِ الثَّمَرَةُ فِي دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ، فَالْأَجَلُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ حُلُولُهُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ رَهْنِهَا فِي الدَّيْنِ الْحَالِّ، وَهَلْ يَكُونُ اشْتِرَاطُ الْقَطْعِ فِي صِحَّةِ رَهْنِهَا شَرْطًا أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ حُلُولُ الدَّيْنِ قَبْلَ بدو الصلاح قبل أَنْ يَكُونَ حُلُولُ الدَّيْنِ بَعْدَ شَهْرٍ وَبُدُوُّ الصَّلَاحِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ:

أَحَدُهَا: أَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَطْعِ مَعَ الْعَقْدِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الرَّهْنِ، فَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ قَطْعُهَا فِي الرَّهْنِ فَسَدَ الرَّهْنُ، سَوَاءٌ شُرِطَ قَطْعُهَا عِنْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ أَمْ لَا، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ الطَّعَامِ الرَّطْبِ، لِأَنَّ قَطْعَهَا واجب.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ شَرْطَ قَطْعِهَا مَعَ حُلُولِ الدَّيْنِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الرَّهْنِ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ أَنْ يُشْتَرَطَ قَطْعُهَا مَعَ الْعَقْدِ قَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ، فَعَلَى هَذَا رَهْنُهَا جَائِزٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّا تَيْبَسُ وَتَجِفُّ أَمْ لَا.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: إِنَّ اشْتِرَاطَ قَطْعِهَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، لَا حَالَ الْعَقْدِ، وَلَا عِنْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ مَعَ الْبَيْعِ، فَلَوْ قَالَ الرَّاهِنُ: أَقْطَعُهَا عِنْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ وَأَبِيعُهَا، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: بِعْهَا على رؤوس النخل يشرط الْقَطْعَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ قَطْعَهَا يَضُرُّ ولا يوجبه شرط ولا عقد إذا جرت العادة بيعها على رؤوس النَّخْلِ، فَأَمَّا إِنْ كَانَتِ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِبَيْعِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>