للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبيل الله بأموالكم وأنفسكم} [التوبة: ٤١] وقوله تعالى: {إن الله يحب الذي يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا} [الصف: ٤] .

وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " وَلِأَنَّ مَالَ الصَّدَقَاتِ مَصْرُوفٌ فِي ذَوِي الْحَاجَاتِ وَلَيْسَ الْحَجُّ مِنْهَا، وَلِأَنَّ مَالَ الصَّدَقَاتِ لَا يَنْصَرِفُ إِلَّا فِي الْجِهَاتِ الْمَالِكَةِ فَخَرَجَ الْحَجُّ مِنْهَا، وَلِأَنَّ الْحَجَّ وَإِنْ كَانَ عَنْ رَبِّ الْمَالِ فَلَا يَجِبُ إِلَّا مَعَ عَجْزِهِ وَفِي غَيْرِ زَكَاتِهِ مِنْ أَمْوَالِهِ وَإِنْ كَانَ عَنْ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ فِيهِ زَكَاةُ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحُجَّاجِ أُعْطُوا إِمَّا مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ أَوْ مِنْ سَهْمِ بَنِي السَّبِيلِ فَبَطَلَ بِذَلِكَ مَا قَالُوهُ وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ مَا جَاءَ بِهِ الْخَبَرُ مِنْ أَنَّ الْحَجَّ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ لِقَرِينَةٍ وَإِنْ كَانَ إِطْلَاقُهُ يَتَنَاوَلُ الْجِهَادَ.

فَصْلٌ:

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ سَهْمَ سَبِيلِ اللَّهِ مَصْرُوفٌ فِي الْغَزَاةِ فَالْغُزَاةُ ضَرْبَانِ:

ضَرْبٌ هُمْ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ وَهُمُ الْمُرْتَزَقَةُ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانَ فَهُوَ لَا يَأْخُذُ أَرْزَاقَهُمْ عَلَى الْجِهَادِ مِنْ مال الفيء ولا يجوز أن يعطوا من مَالِ الصَّدَقَاتِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: هُمْ أَهْلُ الصَّدَقَاتِ وَهُمُ الَّذِينَ لَا أَرْزَاقَ لَهُمْ إِنْ أَرَادُوا غَزْوًا وَإِنْ لَمْ يُرِيدُوا قَعَدُوا وَقَدْ سَمَّاهُمُ الشَّافِعِيُّ أَعْرَابًا فَهُمْ غُزَاةُ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ يَجُوزُ أن يعطوا منها مع الغنى وَالْفَقْرِ.

وَقَالَ أبو حنيفة: لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَوْا إِلَّا مَعَ الْفَقْرِ، وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ لَمْ يُعْطَوُا اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أُمِرْتُ أَنْ آخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ فَأَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِكُمْ " وَلِأَنَّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُدْفَعَ إِلَيْهِ الصَّدَقَةُ كَالْأَصْنَافِ الْبَاقِيَةِ.

وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا أَوْ لِغَارِمٍ أَوْ لِرَجُلٍ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتَصَدَّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَى الْمِسْكِينُ إِلَى الْغَنِيِّ "، وَلِأَنَّ مَنْ أَخَذَ الصَّدَقَةَ لِحَاجَتِنَا إِلَيْهِ جَازَ أَنْ يَأْخُذَهَا مَعَ الْغِنَى وَالْفَقْرِ كَالْعَامِلِ.

فَإِنْ قيل: فالعامل يأخذه أَجْرَهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلٍ.

قِيلَ: هُوَ صَدَقَةٌ: وَإِنْ كَانَ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلٍ لِتَحْرِيمِهِ على ذوي القربى على أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ الْغَازِي فِي مُقَابَلَةِ عَمَلٍ وَهُوَ الْجِهَادُ وَلِذَلِكَ يُسْتَرْجَعُ مِنْهُ إِنْ لَمْ يُجَاهِدْ.

فَأَمَّا الْخَبَرُ فَمَخْصُوصُ الْعُمُومِ.

وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَغَيْرُ مُسَلَّمِ الْأَصْلِ.

فَصْلٌ:

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا أُعْطِيَ الْغَازِيَ مِنْ سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ إِنْ كَانَ الْمَالُ مُتَّسِعًا وَكِفَايَتُهُ تُعْتَبَرُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: قُرْبُ الْمَغْزَى وَبُعْدُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>