أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا لَمَّا افْتَرَقَا فِي انْقِطَاعِهِ بِتَفَرُّقِ الْأَبْدَانِ افْتَرَقَا فِي انْقِطَاعِهِ بِالْمَوْتِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ مُسْتَحَقٌّ بِالْعَقْدِ الْمَاضِي، وَخِيَارَ الثَّلَاثِ مستحق بالشرط الباقي فافترقا.
[مسألة]
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَا يَبِيعُ بِدَيْنٍ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّ فِي الْبَيْعِ بِالدَّيْنِ تَغْرِيرًا بِالْمَالِ، فَلَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ، وَفِي جَوَازِهِ بِإِذْنِهِ قَوْلَانِ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالدَّيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ السَّيِّدُ، لِأَنَّ التَّغْرِيرَ فِيهِ عَلَى مَالِكِ الدَّيْنِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ فِيمَا اشْتَرَاهُ بِالدَّيْنِ رَهْنًا خَوْفَ تَلَفِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ مَالًا مُضَارَبَةً، وَيَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مَالًا مُضَارَبَةً، لِأَنَّ التَّغْرِيرَ فِي الدَّفْعِ عَائِدٌ عَلَيْهِ، وَفِي الْأَخْذِ عَائِدٌ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ مَالًا فِي سَلَمٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مَالًا فِي سَلَمٍ لِلْمَعْنَى الذي ذكرنا.
[مسألة]
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَا يَهَبُ لِثَوَابٍ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لَا تَصِحُّ مِنَ الْمُكَاتَبِ الْهِبَةُ بِغَيْرِ إِذْنِ السيد، سواء كاتب لثواب تجب في الْمُكَافَأَةُ أَوْ بِغَيْرِ ثَوَابٍ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا جَازَتِ الْهِبَةُ لِثَوَابٍ، لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ كَالْبَيْعِ؟ قِيلَ: لَا تَصِحُّ مِنْهُ هِبَةُ الثَّوَابِ، وَإِنْ صَحَّ مِنْهُ الْبَيْعُ، لِوُقُوعِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ إِجْمَاعٌ وَاسْتِحْقَاقَ الثَّوَابِ فِي الْهِبَةِ عَلَى خِلَافٍ.
وَالثَّانِي: تَعْجِيلُ الثَّمَنِ وَتَأْجِيلُ الثَّوَابِ، وَفَرَّقَ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ بَيْنَ مَا تَعَجَّلَ مِنَ الْعِوَضِ وَتَأَجَّلَ، فَإِنْ أَذِنَ السَّيِّدُ فِيهَا فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَإِذْنُهُ إِذَا صَحَّتِ الْهِبَةُ مُعْتَبَرٌ فِي عَقْدِهَا وَإِقْبَاضِهَا، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْعَقْدِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْإِقْبَاضِ لَمْ تَصِحَّ الْهِبَةُ، لِأَنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ، لَا يَقَعُ بِهِ التَّمْلِيكُ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ بِالْإِقْبَاضِ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ وَإِنْ أَذِنَ فِي الْإِقْبَاضِ، وَلَمْ يَأْذَنْ فِي الْعَقْدِ لَمْ يَصِحَّ لِفَسَادِ الْعَقْدِ بِعَدَمِ الْإِذْنِ، فَيَصِيرُ الْإِقْبَاضُ مُتَجَرِّدًا عَنْ غَيْرِ عَقْدٍ.
فَصْلٌ
وَإِذَا وَهَبَ الْمُكَاتَبُ لِسَيِّدِهِ، فَقَبُولُهُ لَهَا كَإِذْنِهِ فِيهَا فَيَكُونُ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: بَاطِلٌ، وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُكَاتَبِ أَوْ يَحْتَسِبُ السَّيِّدُ بِهَا مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ.
وَالثَّانِي: صَحِيحَةٌ، فَإِنْ قِيلَ فِيهَا بِوُجُوبِ الثَّوَابِ وَجَبَتِ الْمُكَافَأَةُ فِيهَا عَلَى السَّيِّدِ يَدْفَعُهَا إِلَى مُكَاتَبِهِ، أَوْ يَحْتَسِبُ بِهَا مِنْ مَالِ كِتَابَتِهِ، وَإِنْ قِيلَ بِسُقُوطِ الثَّوَابِ فِيهَا روعي