مَسَحَ ثَلَاثًا مَسْحَ مُسَافِرٍ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ وَقْتِ صَلَاةٍ فَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ يَمْسَحُ يوماً وليلة مسح مقيم؛ لأن يَقْضِيَ وَقْتَ الصَّلَاةِ فِي الْحَضَرِ فِي حُكْمِ فِعْلِهَا فِي الْحَضَرِ، فِي وُجُوبِ الْإِتْمَامِ، كَذَلِكَ فِي الْمَسْحِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَمْسَحُ ثَلَاثًا مَسْحَ مُسَافِرٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِئْ بِالْمَسْحِ إِلَّا وَهُوَ مُسَافِرٌ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يُسَافِرَ بَعْدَ أَنْ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ فَيَمْسَحُ يَوْمًا وَلَيْلَةً مَسْحَ مُقِيمٍ وَقَدْ مَضَى خِلَافُ أبي حنيفة فِيهَا، فَلَوْ كَانَ قَدْ أَكْمَلَ مَسْحَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي الْحَضَرِ، قَبْلَ سَفَرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ بَعْدُ فِي سَفَرِهِ شَيْئًا لِاسْتِيفَاءِ مَسْحِ الْإِقَامَةِ إِلَّا أَنْ يَسْتَأْنِفَ مسحاً مبتدئاً.
والحالة الرَّابِعَةُ: أَنْ يُسَافِرَ وَيَشُكَّ هَلْ مَسَحَ قَبْلَ سَفَرِهِ أَمْ لَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْمَلَ عَلَى أَغْلَظِ حَالَيْهِ، وَإِنِ ابْتَدَأَ بِالْمَسْحِ مُسَافِرًا، ثُمَّ أَقَامَ بِالْمَسْحِ قَبْلَ سَفَرِهِ فَيَمْسَحُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، مسح مقيم؛ فإن خالفه وَمَسَحَ ثَلَاثًا مَسْحَ مُسَافِرٍ أَعَادَ مَا صَلَّى بِالْمَسْحِ فِي الْيَوْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ، لِأَنَّهُ صَلَّى وَهُوَ شَاكٌّ فِي صِحَّةِ طَهَارَتِهِ، فَلَوْ صَلَّى بِالْمَسْحِ يَوْمَيْنِ، وَهُوَ عَلَى شَكِّهِ ثُمَّ تَيَقَّنَ فِي الثالثة أنه مسافر قَبْلَ مَسْحِهِ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَيَسْتَوْفِي مُدَّةَ الْمَسْحِ فِي السَّفَرِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ مَا صَلَّى بِالْمَسْحِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ حِينَ صَلَّى كَانَ شَاكًّا فِي طَهَارَتِهِ، فَصَلَّى كَمَنْ صَلَّى عَلَى شَكٍّ مِنْ وُضُوئِهِ ثُمَّ تَيَقَّنَ بَعْدَ فَرَاغِهِ أَنَّهُ كَانَ مُتَوَضِّئًا أَعَادَ.
(فَصْلٌ)
: وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا ثُمَّ يُقِيمُ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ مَسَحَ فِي سَفَرِهِ شَيْئًا أَمْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَمْسَحْ فِي سَفَرِهِ حَتَّى أَقَامَ مَسَحَ يَوْمًا وَلَيْلَةً مَسْحَ مُقِيمٍ، وَإِنْ مَسَحَ فِي سَفَرِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَوْفَى مَسْحَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَمْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ مَسْحَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَتَمَّ بَعْدَ إِقَامَةٍ مَسْحَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَإِنِ اسْتَوْفَى فِي السَّفَرِ مَسْحَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لَمْ يَجُزْ إِذَا أَقَامَ أَنْ يَمْسَحَ شَيْئًا، وَلَوْ كَانَ قَدْ نَوَى الْمُقَامَ وَهُوَ فِي تَضَاعِيفِ صَلَاةٍ بَطُلَتْ لِتَقَضِّي مَسْحِهِ بِالْإِقَامَةِ عِنْدَ مُجَاوَزَةِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، فَلَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ مُقَامَ ثَلَاثَةٍ أَتَمَّ مَسْحَ خُفَّيْهِ ثَلَاثًا مَسْحَ مُسَافِرٍ لِبَقَائِهِ عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ وَلَوْ نَوَى إِقَامَةَ أَرْبَعٍ اخْتَصَرَ عَلَى يَوْمٍ وليلة مسح مقيم؛ لأنه صار مقيماً والله أعلم.
: وَإِذَا سَافَرَ فِي مَعْصِيَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْسَحَ ثَلَاثًا، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَمْسَحَ يَوْمًا وَلَيْلَةً؟ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مُقِيمًا عَلَى مَعْصِيَةٍ فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لَا يُجَوِّزُ أَنْ يَمْسَحَ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ وَالْعَاصِي لَا يَتَرَخَّصُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَمْسَحُ يَوْمًا وَلَيْلَةً مُسَافِرًا كَانَ أَوْ مُقِيمًا، وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا؛ لِأَنَّ مَسْحَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute