للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فظن أنه أخطأ الظبي فقال: مثلي يُخْطِئُ؟ ! ... فَكَسَرَ قَوْسَهُ، وَأَخْرَجَ خِنْجَرَهُ، وَقَطَعَ إِبْهَامَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ وَرَأَى الظَّبْيَ صَرِيعًا قَدْ نَفَذَ السَّهْمُ فِيهِ نَدِمَ، فَضَرَبَتْ بِهِ الْعَرَبُ مَثَلًا، فَقَالَ الشَّاعِرُ:

(نَدِمْتُ نَدَامَةَ الْكُسَعِيِّ لَمَّا ... رَأَتْ عَيْنَاهُ مَا عَمِلَتْ يَدَاهُ)

وَهَكَذَا لَوْ عَرَضَ لِلرَّامِي عِلَّةٌ فِي يَدِهِ أَوْ أَخَذَتْهُ رِيحٌ فِي يَدَيْهِ ضَعُفَ بِهَا عَنْ مَدِّ قَوْسِهِ لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ إِنْ قَصَّرَ أَوْ أَخْطَأَ لِأَنَّهُ لِعَارِضٍ مَنَعَ وَلَيْسَ مِنْ سُوءِ رَمْيٍ وقلة حذق.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " فَأَمَّا إِنْ جَازَ السَّهْمُ أَوْ أَجَازَ مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ فَهَذَا سُوءُ رَمْيٍ لَيْسَ بعارضٍ غُلِبَ عَلَيْهِ فَلَا يُرَدُّ إِلَيْهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يُقَالُ: جَازَ السَّهْمُ إِذَا مَرَّ فِي إِحْدَى جَانِبَيِ الْهَدَفِ، وَيُسَمَّى " خَاصِرٌ " وَجَمْعُهُ خَوَاصِرُ لِأَنَّهُ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْخَاصِرَةِ، لِأَنَّهَا فِي جَانِبَيِ الْإِنْسَانِ، وَيُقَالُ: أَجَازَ السَّهْمُ إِذَا سَقَطَ وَرَاءَ الْهَدَفِ.

فَإِذَا أَجَازَ السَّهْمُ، وَوَقَعَ فِي جَانِبِ الْهَدَفِ، أَوْ أَجَازَ وَوَقَعَ وَرَاءَ الهدف كان محسوباً منه خطأه لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى سُوءِ رَمْيِهِ، وَلَيْسَ بِمَنْسُوبٍ إِلَى عَارِضٍ فِي بَدَنِهِ أَوِ الْيَدِ.

وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: الْجَائِزُ أَنْ يَقَعَ فِي الْهَدَفِ عَنْ أَحَدِ جَانِبَيِ الشَّنِّ فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَتِ الْإِصَابَةُ مَشْرُوطَةً فِي الشَّنِّ كَانَ الْجَائِزُ مُخْطِئًا وَإِنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي الْهَدَفِ كَانَ الْجَائِزُ مُصِيبًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَا أَنْ تَكُونَ إِصَابَةُ سِهَامِهِمَا جَائِزَةً، فَيُحْتَسَبَ بِالْجَائِزِ وَلَا يُحْتَسَبُ بِغَيْرِ الْجَائِزِ.

وَيُقَالُ: " سَهْمٌ " طَامِحٌ، وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الطَّامِحَ هُوَ الَّذِي قَارَبَ الْإِصَابَةَ، وَلَمْ يُصِبْ، وَيَكُونُ مُخْطِئًا.

وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ الْوَاقِعُ بَيْنَ الشَّنِّ وَرَأْسِ الْهَدَفِ، فَيَكُونُ مُخْطِئًا إِنْ شُرِطَ الْإِصَابَةُ فِي الشَّنِّ، وَمُصِيبًا إِنْ شُرِطَ فِي الْهَدَفِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الْإِصَابَةِ فَلَا يُحْتَسَبُ لَهُ مُصِيبًا إِلَّا بِسَهْمٍ طَامِحٍ كَالْجَائِزِ.

وَيُقَالُ: سَهْمٌ " عَاصِدٌ "، وَهُوَ الْوَاقِعُ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، فَيَكُونُ كَالْجَائِزِ فِي تَأْوِيلِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وَيُقَالُ: سَهْمٌ " طَائِشٌ " وَهُوَ الَّذِي يُجَاوِزُ الْهَدَفَ كَالْجَائِزِ إِلَّا أَنَّ الْجَائِزَ مَا عُرِفَ مَكَانُ وُقُوعِهِ، وَالطَّائِشُ مَا لَمْ يُعْرَفْ مَكَانُ وُقُوعِهِ، وَالطَّائِشُ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِ فِي الخطأ كالجائز.

<<  <  ج: ص:  >  >>