وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّهُمْ يَرَوْنَ مِنَ الْمَنَاكِحِ بَيْنَهُمْ مَا لَا نَرَاهُ فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَدْ كَانَ يَعْرِفُ اخْتِلَافَ آبَائِهِمْ فِيهِ فَلَمْ يَكْشِفْ عَنْهُ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُغْفَرُ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) {الأنفال: ٣٨) . فَيَعْنِي مِنَ الْآثَامِ دُونَ الْأَحْكَامِ وَأَمَّا الظِّهَارُ فَبِالْفَسْخِ أَبْطَلَ حُكْمَهُ، وَحُكْمُهُ بِالطَّلَاقِ مُقَرٌّ.
فَصْلٌ
فَإِذَا ثَبَتَ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ عُقُودِهِمْ، وَمَنَاكِحِهِمْ، وَالْعَفْوُ عَمَّا اخْتَلَّ من شروطها، وأنهم مأخوذون بِمَا أَوْقَعُوهُ فِيهَا مِنْ طَلَاقٍ، وَظِهَارٍ، وَإِيلَاءٍ اعْتُبِرَ حَالُ طَلَاقِهِ، فَإِنْ كَانَ صَرِيحًا عِنْدَهُمْ أَجْرَيْتُ عَلَيْهِ حُكْمَ الصَّرِيحِ سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَنَا صريحاً، أو كناية لِأَنَّنَا نَعْتَبِرُ عُقُودَهُمْ فِي شِرْكِهِمْ بِمُعْتَقَدِهِمْ كَذَلِكَ حُكْمُ طَلَاقِهِمْ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا فَرَاجِعٌ فِي الْعِدَّةِ صَحَّتْ رَجْعَتُهُ كَمَا صَحَّ نِكَاحُهُ، وَكَانَتْ مَعَهُ بَعْدَ إِسْلَامِهِ عَلَى مَا بَقِيَ مِنَ الطَّلَاقِ، فَإِنْ كَانَ وَاحِدَةً بَقِيَتْ مَعَهُ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَإِنْ كَانَتِ اثْنَتَيْنِ بَقِيَتْ مَعَهُ عَلَى وَاحِدَةٍ، وَإِنْ لَمْ يُرَاجِعْهَا فِي الْعِدَّةِ حَتَّى أَسْلَمَا، فَإِنْ كَانَتْ عدة الطلاق قد انعقدت فِي الشِّرْكِ أَوْ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَقَبْلَ الرَّجْعَةِ بانت منه، وجاز أن يستأنف العقد عليها فَيَكُونُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنَ الطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَتِ الْعِدَّةُ بَاقِيَةً فَلَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَتَكُونُ مَعَهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنَ الطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَ طَلَاقُهُ لَهَا فِي الشِّرْكِ ثَلَاثًا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَلَوْ كَانَتْ قَدْ نَكَحَتْ فِي الشِّرْكِ زَوْجًا غَيْرَهُ حَلَّتْ لَهُ إِذَا أَسْلَمَ، فَلَوْ عَادَ فَنَكَحَهَا فِي الشِّرْكِ قَبْلَ زَوْجٍ وَقَدْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، كَانَ نِكَاحُهَا إِذَا أَسْلَمَ بَاطِلًا، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَرَّ عَلَيْهِ.
فَإِنْ قِيلَ: أَفَلَيْسَ لَوْ نَكَحَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَا بعدها أقر؟ فَهَلَّا إِذَا نَكَحَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا قَبْلَ زَوْجٍ أقر؟ قِيلَ: لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْمُعْتَدَّةِ قَدْ زَالَ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، فَجَازَ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الْعَقْدَ عَلَيْهَا فَجَازَ أَنْ تُقَرَّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ نِكَاحِهَا وَتَحْرِيمِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لَمْ يَزُلْ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الْعَقْدَ عَلَيْهَا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُقَرَّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ نِكَاحِهَا وَتَحْرِيمِ المطلقة ثلاثاً، وكذلك الكلام فيما يؤخذ بِهِ مِنْ حُكْمِ ظِهَارِهِ وَإِيلَائِهِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute