للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَشَاءُ، وَأَقَامَتْ حَيْثُ شَاءَتْ سَقَطَ الْحَقُّ الَّذِي لَهَا كَمَا أَسْقَطَتِ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّيْنِ إِذَا تَقَابَلَا كَانَ سُقُوطُ أَحَدِهِمَا مُوجِبًا لِسُقُوطِ الْآخَرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ نَفَقَةُ الْحَامِلِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهَا تَفَرَّدَتْ بِهِ إِمَّا بِحَمْلِهَا، وَإِمَّا لَهَا لِأَجْلِ الْحَمْلِ، وَلَيْسَ مُقَابَلَةَ حَقٍّ عَلَيْهَا فَلَمْ يَسْقُطْ بِمُضِيِّ زَمَانِهِ لِوُجُودِ مَعْنَى اسْتِحْقَاقِهَا كَالدُّيُونِ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ أَنْ لَا سُكْنَى لَهَا بِمَا مَضَى قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ، وَلَهَا السُّكْنَى فِيمَا بَقِيَ بَعْدَهَا، وَكَانَ زَوْجُهَا غَائِبًا أَتَتِ الْحَاكِمَ حَتَّى يَحْكُمَ لَهَا بِالسُّكْنَى لِيَكُونَ دَيْنًا لَهَا عَلَى الزَّوْجِ، فَإِنْ عَدَلَتْ عَنِ الْحَاكِمِ وَهِيَ قَادِرَةٌ عَلَيْهِ لَمْ تَرْجِعْ وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى الْحَاكِمِ، وَلَمْ يَشْهَدْ عَلَى نَفْيِهَا بِالرُّجُوعِ لَمْ يَرْجِعْ وَإِنْ أَشْهَدَتْ عَلَى نَفْسِهَا أَنَّهَا تَتَكَارَى مَسْكَنًا عَلَى زَوْجِهَا فَفِي رُجُوعِهَا عَلَيْهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: تَرْجِعُ عَلَيْهِ لِلضَّرُورَةِ.

وَالثَّانِي: لَا تَرْجِعُ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ الْحَاكِمُ شَرْطًا فِيهِ لَمْ يَثْبُتْ مَعَ عَدَمِهِ كَالْعُنَّةِ. ٠

(مَسْأَلَةٌ)

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " فَأَمَّا امْرَأَةُ صَاحِبِ السَّفِينَةِ إِذَا كَانَتْ مُسَافِرَةً معه فالمرأة الْمُسَافِرَةِ إِنْ شَاءَتْ مَضَتْ وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ إِلَى مَنْزِلِهِ فَاعْتَدَّتْ بِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا كَانَ الزَّوْجُ صَاحِبَ سَفِينَةٍ فَسَافَرَ بِزَوْجَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَا يَخْلُو حَالُ صَاحِبِ السَّفِينَةِ مِنْ أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ لَهُ مَسْكَنٌ غَيْرُ السَّفِينَةِ فِي بَلَدٍ مُسْتَوْطَنَةٍ إِذَا عَادَ مِنْ سَفَرِهِ فَتَكُونُ الْمُطَلَّقَةُ فِي عِدَّتِهَا بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ تَعْتَدَّ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ إِذَا اتَّسَعَتْ وَبَيْنَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى بَلَدِهِ فَتَعْتَدَّ فِي مَنْزِلِهِ، كَمَا قُلْنَا فِي الْمُسَافِرَةِ فِي الْبَرِّ إِذَا طُلِّقَتْ بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ بَلَدِهَا.

وَالثَّانِي: لَا يَكُونُ لَهَا مَسْكَنٌ غَيْرُ سَفِينَتِهِ فَهِيَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ تَعْتَدَّ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ، وَبَيْنَ أَنْ تَصْعَدَ إِلَى الْبَرِّ فَتَعْتَدَّ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ ثُمَّ فِيهِ إِنْ صَعِدَتْ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إِنَّ لَهَا إِذَا صَعِدَتْ أَنْ تَعْتَدَّ فِي أَيِّ بَلَدٍ شَاءَتْ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وهو اصح أنها تعتد من أقرب البلاد في الْمَوْضِعِ الَّذِي طَلَّقَهَا فيه.

فَأَمَّا مُقَامُهَا مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ فَمُعْتَبَرٌ بِحَالِ السَّفِينَةِ، فَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً كَالْمَرَاكِبِ الْبَحْرِيَّةِ إِذَا انْفَرَدَتْ فِي مَوْضِعٍ مِنْهَا، وَحَجَزَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَلَمْ تَقَعْ عَيْنُهُ عَلَيْهَا جَازَ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>