غَيْرَهُ، فَيَصِيرُ بِتَقْدِيمِهِ جَائِرًا، يَفْعَلُ كَذَلِكَ فِي خَصْمٍ بَعْدَ خَصْمٍ، حَتَّى يَسْتَنْفِدَ جَمِيعَ الْخُصُومِ.
فَإِنْ قَدَّمَ مَسْبُوقًا عَلَى سَابِقٍ بِطِيبِ نَفْسِ السَّابِقِ جَازَ، وَإِنْ قَدَّمَهُ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ ظَلَمَهُ، وَكَانَ حُكْمُهُ لِلْمَسْبُوقِ نَافِذًا، لِأَنَّهُ ظَلَمَ فِي السَّبْقِ وَلَمْ يَظْلِمْ فِي الْحُكْمِ.
فَإِنْ كَانَ الْمَسْبُوقُ مَرِيضًا يَسْتَضِرُّ بِالصَّبْرِ فَقَدْ عَذَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي حُقُوقِهِ بِالرُّخَصِ فَإِنْ عَذَرَهُ الْآدَمِيُّونَ بِهِ فِي تَقْدِيمِهِ عَلَيْهِمْ كَانَ أَوْلَى بِهِمْ، فَإِنْ شَاحُّوهُ قَدَّمَهُ الْقَاضِي إِنْ كَانَ مَطْلُوبًا، وَلَمْ يُقَدِّمْهُ إِنْ كَانَ طَالِبًا، لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مُجْبَرٌ وَالطَّالِبَ مُخَيَّرٌ
فَإِنْ كَثُرَ الْخُصُومُ وَلَمْ يَتَّسِعْ مَجْلِسُ يَوْمِهِ لِلنَّظَرِ بَيْنَ جَمِيعِهِمْ، وَاحْتَاجُوا لِكَثْرَةِ الْعَدَدِ إِلَى ثَلَاثَةِ مَجَالِسٍ كَانَ فِيهِمْ بَيْنَ خِيَارَيْنِ:
أَولَاهُمَا: أَنْ يُجَزِّئَ رِقَاعُهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ وَيَجْعَلَ كُلَّ جُزْءٍ فِي إِضْبَارَةٍ يَعْرِفُ أَسْمَاءَ مَنْ فِيهَا وَيَقْرَعُ بَيْنَ الْأَضَابِيرِ الثَّلَاثِ، فَإِذَا خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ الْأُولَى لِأَحَدِهَا أَثْبَتَ عَلَيْهَا الْمَجْلِسَ الْأَوَّلَ، وَإِذَا خَرَجَتِ الثَّانِيَةُ لِأُخْرَى أَثْبَتَ عَلَيْهَا الْمَجْلِسَ الثَّانِي، وَيَثْبُتُ عَلَى الْأَخِيرَةِ الْمَجْلِسُ الثَّالِثُ. وَقَدَّمَ لِمَجْلِسِ يَوْمِهِ أَهْلَ الْإِضْبَارَةِ الْأُولَى، وَأَعْلَمَ أَهْلَ الْإِضْبَارَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ لَهُمُ الْمَجْلِسَ الثَّانِيَ، وَأَعْلَمَ أَهْلَ الْإِضْبَارَةِ الثَّالِثَةِ أَنَّ لَهُمُ الْمَجْلِسَ الثَّالِثَ، حَتَّى يَنْصَرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِأَشْغَالِهِ لِيَأْتِيَهُ فِي يَوْمِهِ مِنْ غَيْرِ تَرْدَادٍ فَهَذَا أَوْلَى الْأَمْرَيْنِ.
وَالْخِيَارُ الثَّانِي: أَنْ يَسْتَوْقِفَهُمْ فِي يَوْمِهِ، وَيَنْظُرَ فِيهِ بَيْنَ مَنِ اتَّسَعَ لَهُ مَجْلِسُهُ، فَيُنَادِي بِحُضُورِ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ قُرْعَتُهُ وَيَنْظُرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ، ثُمَّ يُنَادِي بِحُضُورِ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ الثَّانِيَةُ وَمَنْ بَعْدَهَا، حَتَّى يَسْتَوْعِبَ جَمِيعَ مَجْلِسِهِ بِالنَّظَرِ بَيْنَ مَنْ خَرَجَتْ رِقَاعُهُمْ فِيهِ فَإِذَا انْقَضَى الْمَجْلِسُ قَالَ لِمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ عُودُوا فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي، فَإِذَا عَادُوا فِيهِ قَدَّمَهُمْ عَلَى مَنِ اسْتَأْنَفَ الْحُضُورَ فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي، وَنَظَرَ بَيْنَهُمْ وَقَدَّمَ مِنْهُمْ بِالرِّقَاعِ مَنْ تَقَدَّمَتْ رُقْعَتُهُ، فَإِذَا اسْتَوْعَبَ مَجْلِسُهُ الثَّانِي وَقَدْ بَقِيَتْ مِنْهُمْ بَقِيَّةٌ، وَعَدَهُمُ الْمَجْلِسَ الثَّالِثَ، وَوَعَدَ مَنِ اسْتَأْنَفَ حُضُورَ الْمَجْلِسِ الثَّانِي إِلَى الْمَجْلِسِ الثَّالِثِ، فَإِذَا جَلَسَ فِي الْمَجْلِسِ الثَّالِثِ قَدَّمَ أَهْلَ الْمَجْلِسِ الْأَوَّلِ عَلَى أَهْلِ الْمَجْلِسِ الثَّانِي ثُمَّ يَفْعَلُ عَلَى هَذَا الْمِثَالِ أَبَدًا.
وَيَنْبَغِي لَهُ إِذَا كَثُرَ الْخُصُومُ أَنْ يَزِيدَ فِي عَدَدِ مَجَالِسِهِ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ حَتَّى لَا يَتَمَادَى فِي أَمْرِ الْخُصُومِ لِتَكُونَ مَجَالِسُهُ كَافِيَةً لِجَمِيعِ الْخُصُومِ.
[(فصل: صفة الرقاع) .]
فَأَمَّا صِفَةُ الرِّقَاعِ الَّتِي تُثْبَتُ فِيهَا أَسْمَاءُ الْخُصُومِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الَّذِي يَتَوَلَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute