لَازِمٍ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِوِلَايَةٍ وَالْإِحْرَامَ يَمْنَعُ مِنَ الْوِلَايَةِ فَبَطَلَ النِّكَاحُ، وَالشَّعْرُ وَجَبَتْ فِيهِ الْفِدْيَةُ، لِتَرَفُّهِ الْمُحْرِمِ بِهِ، وَالْحَالِقُ الْمُحْرِمُ لَا يَتْرَفَّهُ بِهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ الْفِدْيَةُ.
[مسألة]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَيْسَ لِلْمُحِلِّ أَنْ يَحْلِقَ شَعْرَ الْمُحْرِمِ فَإِنْ فَعَلَ بِأَمْرِ الْمُحْرِمِ فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَإِنْ فَعَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ مُكْرَهًا كَانَ أَوْ نَائِمًا رجع على الحلال بفديةٍ وتصدق بِهَا فَإِنْ لَمْ يَصِلْ أَلَيْهِ فَلَا فِدْيَةَ عليه (قَالَ الْمُزَنِيُّ) وَأَصَبْتُ فِي سَمَاعِي مِنْهُ ثُمَّ خط عليه أن يفتدي ويرجع بالفدية على المحل وهذا أشبه بمعناه عندي.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا شَعْرُ الْمُحْرِمِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِقَهُ حَلَالٌ وَلَا مُحْرِمٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ) {البقرة: ١٩٦) فَمَنَعَ الْمُحْرِمَ مِنْ حَلْقِ شَعْرِهِ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ مَنْعَهُ وَمَنْعَ غَيْرِهِ، لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ أَنْ يَتَوَلَّى غَيْرُهُ حَلْقَ شَعْرِهِ، فَوَرَدَ الْمَنْعُ عَلَى حَسْمِ الْعَادَةِ فِيهِ، لِأَنَّ حُرْمَةَ الْإِحْرَامِ تَعَلَّقَتْ بِعَيْنِ الشَّعْرِ، فَاسْتَوَى فِي الْمَنْعِ مِنْهُ الْمُحِلُّ وَالْمُحْرِمُ، كَالصَّيْدِ فِي الْمُحْرِمِ. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، وَحَلَقَ مَحَلَّ شَعْرِ الْمُحْرِمِ، فَلَهُ حَالَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَحْلِقَهُ بِأَمْرِ الْمُحْرِمِ.
الثَّانِي: بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَإِنْ حَلَقَهُ بِأَمْرِ الْمُحْرِمِ، فَالْفِدْيَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُحْرِمِ؛ لِأَنَّ حَلْقَ شَعْرِهِ إِذَا كَانَ عَنْ أَمْرِهِ، فَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى فِعْلِهِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فله حالان:
أحدهما: أن يكون قادراً على منعه.
الثاني: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى مَنْعِهِ، فَإِنْ لم يكن قادراً على منعه، إما لكونه نَائِمًا أَوْ مَكْرُوهًا، فَالْفِدْيَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْحَالِقِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ لَا صُنْعَ لَهُ فِي حَلْقِ رَأْسِهِ، فَلَمْ تَلْزَمْهُ الْفِدْيَةُ بِهَا، فَإِنْ أَعْسَرَ بِهَا الْحَالِقُ الْمُحِلُّ، أَوْ غَابَ، فَهَلْ يَتَحَمَّلُهَا الْمُحْرِمُ عَنْهُ لِيَرْجِعَ بِهَا عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَمَّلَهَا، لِأَنَّهُ شَعْرٌ زَالَ عَنْهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، فَلَمْ يَلْزَمُهُ ضَمَانُ فِدْيَتِهِ، كَمَا لَوْ تَمَعَّطَ عَنْهُ بِمَرَضٍ، أَوِ احْتِرَاقٍ بِنَارٍ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي ذِمَّةِ الْحَالِقِ الْمُحِلِّ، وَهَذَا أَصَحُّ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَمَّلَهَا، ثُمَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ شَعْرٌ أُزِيلَ عَنْهُ بِوَجْهٍ هُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ضَمَانُ فِدْيَتِهِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوِ اضْطُرَّ إِلَى حَلْقِهِ لِهَوَامَّ فِي رَأْسِهِ قَالَ الْمُزَنِيُّ: " وَأَصَبْتُ فِي سَمَاعِي مِنْهُ، ثُمَّ خط عليه " يعني أن الشافعي رجع على هَذَا الْقَوْلِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُزَنِيُّ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي مُخْتَصَرِ الْحَجِّ الْكَبِيرِ، وَلَمْ يَخُطَّ عَلَيْهِ، فَهَذَا شَرْحُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ أَصَحُّ طَرِيقَيْ أَصْحَابِنَا وَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ يُخْرِجُ الْقَوْلَيْنِ فِي أَصْلِ الْوُجُوبِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى الْحَالِقِ الْمُحِلِّ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ تَحَمُّلُهَا.