للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مُحَرِّمٍ لِعَدَمِ سَبَبِهِ لَا لِنَسْخِهِ، وَقَدْ جَاءَ الشَّرْعُ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا فَسْخُ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ أَمَرَ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عِنْدَ نُفُورِهِمْ مِنَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. فَأَمَرَهُمْ بِفَسْخِ الْحَجِّ بِالْعُمْرَةِ، وَهَذَا أَعْظَمُ مِنِ اسْتِئْنَافِ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ، وَلِيَزُولَ مِنْ نُفُوسِهِمْ مَا اسْتَنْكَرُوهُ فَلَا يَنْفُرُوا مِنْهُ وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ زَالَ لِاسْتِقْرَارِهِ فِي النُّفُوسِ فَزَالَ بِهِ فَسْخُ الْحَجِّ، لَوْ لَمْ يُحْكَمْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ.

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا دَاوُدُ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي أَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِثَلَاثَةِ مَعَانٍ فَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ " فَكَانَ دَلِيلُهُ أَنَّ الثَّالِثَةَ تُحَرِّمُ وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْأَخْبَارِ فِي تَعْلِيقِ التَّحْرِيمِ بِالْخَمْسِ مَا يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ التَّحْرِيمِ بِمَا دُونَ الْخَمْسِ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ " مَدْفُوعُ الدَّلِيلِ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنَ النَّصِّ، وَجَرَى مَجْرَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ " وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَوَازَ الرِّبَا فِي النَّقْدِ، ثُمَّ هُوَ مَدْفُوعٌ بِالنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِيهِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ " جَارِيًا عَلَى السؤال عن ذلك، وقد روايناه عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(مَسْأَلَةٌ)

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَكَذَلِكَ أَبَانَ أَنَّ الْمُرَادَ بِتَحْرِيمِ الرَّضَاعِ بَعْضُ الْمُرْضِعِينَ دُونَ بَعْضٍ وَاحْتَجَّ فِيمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِسَهْلَةَ بِنْتِ سُهَيْلٍ لَمَّا قَالَتْ لَهُ كُنَّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَأَنَا فَضْلٌ وَلَيْسَ لَنَا إِلَّا بَيْتٌ وَاحِدٌ فَمَاذَا تَأْمُرِنِي فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيمَا بَلَغَنَا " أَرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَيَحْرُمُ بِلَبَنِهَا " فَفَعَلَتْ فَكَانَتْ تَرَاهُ ابنا من الرضاعة فأخذت بذلك عائشة رضي الله عنها فيمن أحبت أن يدخل عليها من الرجال وأبى سائر أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس وقلن ما نرى الذي أمر به - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إلا رخصة في سالم وحده وروى الشافعي رحمه الله أن أم سلمة قالت في الحديث هو لسالم خاصة (قال الشافعي) رحمه الله تعالى فإذا كان خاصا فالخاص مخرج من العام والدليل على ذلك قول الله جل ثناؤه {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} فجعل الحولين غاية وما جعل له غاية فالحكم بعد مضي الغاية خلاف الحكم قبل الغاية كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} فإذا مضت الأقراء فحكمهن بعد مضيها خلاف حكمهن فيها (قَالَ الْمُزَنِيُّ) وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عِنْدِي عَلَى نَفْيِ الْوَلَدِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ بِتَأْقِيتِ حَمْلِهِ وفصاله ثلاثين شهراً كما نفى توقيت حولين الرضاع لأكثر من الحولين (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وكان عمر رضي الله عنه لا يرى رضاع الكبير يحرم وابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما وقال

<<  <  ج: ص:  >  >>