وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ إِنَّمَا سَأَلَهُ لِيَظْهَرَ فِي النَّاسِ قِلَّةُ ضَبْطِ أَبِي مَسْعُودٍ، وَضَعْفُ حَزْمِهِ، وَسُوءُ فَهْمِهِ؛ لِأَنَّ أَبَا مَسْعُودٍ كَانَ مِمَّنْ تَوَقَّفَ عَنْ بَيْعَتِهِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ إِنْكَارِ عَائِشَةَ، وَقَوْلِهَا مَا قَالَتْ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهَا لَمْ تُنْكِرِ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَإِنَّمَا كَرِهَتْ بِذَلِكَ السَّفَرِ الْمُحْوِجِ إِلَى الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا، وَقَالَتْ: لَأَنْ تُقْطَعَ رِجْلَايَ فَلَا أُسَافِرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ السَّفَرِ الَّذِي يُمْسَحُ فِيهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ إِنْكَارَهَا مَعَ ثُبُوتِ السُّنَّةِ وَاشْتِهَارِهَا وَعَمَلِ الصَّحَابَةِ بِهَا مَدْفُوعٌ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ إِنْكَارِ ابْنِ عُمَرَ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَدْ قَالَ سَعْدٌ لِابْنِ عُمَرَ حِينَ أَنْكَرَ عَلَيْهِ سَلْ أَبَاكَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ أَصَابَ السُّنَّةَ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ثلاثةٍ فَهُوَ أَنَّ جَابِرًا ضَعِيفٌ وَمَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَقَدْ مَسَحَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: وَأَنْ تَمْسَحُوا عَلَى الْخُفَّيْنِ فَرَوَى عَنْهُمْ جَوَازَهُ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إِنْ كَانَ الْمَسْحُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ أَوْجَبَ الْمَنْعَ مِنَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَهُوَ أَنَّهُ اعْتِرَاضٌ عَلَى السُّنَّةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، ثُمَّ مُنْتَقِضٌ بِالْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ ظُهُورُ الْعُضْوِ يُوجِبُ غَسْلَهُ وَيَمْنَعُ مِنْ مَسْحِهِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِ بِسَائِرِ الْأَعْضَاءِ فَهُوَ أَنَّ السُّنَّةَ اسْتَثْنَتِ الرِّجْلَيْنِ فِي جَوَازِ الِانْتِقَالِ مِنْ غَسْلِهِمَا إِلَى الْخُفَّيْنِ دُونَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ فَلَا يُقَاسُ عَلَى مَخْصُوصٍ وَمَنْصُوصٍ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِشْهَادِهِمْ بِالْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ فَقَدْ فَرَّقَتِ السُّنَّةُ بَيْنَهُمَا فَهُوَ أَنَّ غَسْلَ مَا جَاوَزَ الْقَدَمَيْنِ لَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي الْجَنَابَةِ، وَلَمْ يُمْكِنْ غَسْلُهُ فِي الْخُفَّيْنِ وَجَبَ خَلْعُهُمَا وَإِذَا خَلَعَهُمَا ظَهَرَتِ الرِّجْلَانِ فَلَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ مَعَ ظُهُورِهِمَا وَوَجَبَ غَسْلُهُمَا مَعَ جَمِيعِ الْبَدَنِ.
(فَصْلٌ: الْخِلَافُ فِي تَحْدِيدِ وَقْتِ المسح)
فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي الْوُضُوءِ بَدَلًا مِنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ هُوَ مَحْدُودٌ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ مَالِكٌ فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ إِلَى جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى التَّأْبِيدِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ وَهُوَ فِي الصَّحَابَةِ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَفِي التَّابِعِينَ قَوْلُ