للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِمَامَ مَنْدُوبٌ إِلَى تَوْفِيرِ مَا يَصِلُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ إِمَّا بِغَنِيمَةٍ إِنْ قُهِرُوا، وَإِمَّا بِجِزْيَةٍ وَخَرَاجٍ إِنْ صُولِحُوا، فَكَذَلِكَ عُشْرُ أَمْوَالِهِمْ إِذَا اتَّجَرُوا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِمْ كَانَ الْعُرْفُ الَّذِي عَمِلَ بِهِ الْأَئِمَّةُ الْعُشْرَ، وَلَيْسَ بِحَدٍّ لَا يَجُوزُ مُجَاوَزَتُهُ إِلَى زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ الِاجْتِهَادُ الْمُعْتَبَرُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: فِي كَثْرَةِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ وقلتها، فإن كثرت الحاجة إليه كالأموات كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ أَقَلَّ، وَإِنْ قَلَّتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ كَالطَّرَفِ وَالدَّقِيقِ كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ أَكْثَرَ، فَإِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخَذَ مِنْ الْقُطْنِيَّةِ الْعُشْرَ، وَأَخَذَ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالزَّبِيبِ نِصْفَ الْعُشْرِ.

وَالثَّانِي: الرُّخْصُ وَالْغَلَاءُ، فَإِنْ كَانَ انْقِطَاعُهَا يُحْدِثُ الْغَلَاءَ كَانَ الْمَأْخُوذُ أَقَلَّ، وَإِنْ كَانَ لَا يُحْدِثُ الْغَلَاءَ كَانَ الْمَأْخُوذُ أَكْثَرَ، وَإِذَا كَانَ الِاجْتِهَادُ فِيهِ مُعْتَبَرًا مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ عَمِلَ الْإِمَامُ فِي تَقْرِيرِهِ عَلَى مَا يُؤَدِّيهِ اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ، فَإِنْ رَأَى مِنَ الْمَصْلَحَةِ اشْتِرَاطَ الْعُشْرِ فِي جَمِيعِهَا فَعَلَ، وَإِنْ رَأَى اشْتِرَاطَ نِصْفِ الْعُشْرِ فَعَلَ، وَإِنْ رَأَى اشْتِرَاطَ الْخُمُسِ فَعَلَ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يُنَوِّعَهَا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا، فَيَشْرِطَ فِي نَوْعٍ مِنْهَا الْخُمُسَ، وَفِي نَوْعٍ الْعُشْرَ، وَفِي نَوْعٍ نِصْفَ الْعُشْرِ فَعَلَ، وَصَارَ مَا انْعَقَدَ شَرْطُهُ عَلَيْهِ حَقًّا وَاجِبًا فِي مَتَاجِرِهِمْ مَا أَقَامُوا عَلَى صُلْحِهِمْ، كَالْجِزْيَةِ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَنْ يَنْقُضَهُ إِلَى زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، فَإِنْ نَقَضُوا شَرْطَهُمْ بطل حكم الشرط بنقضهم، وجار اسْتِئْنَافٌ وَصُلْحٌ مَعَهُمْ يَبْتَدِئُهُ بِمَا يَرَاهُ مِنْ زِيَادَةٍ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ نُقْصَانٍ مِنْهُ.

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا لَمْ يَخْلُ حَالُ الْعُشْرِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوطًا فِي عَيْنِ الْمَالِ أَوْ يَكُونَ فِي ذِمَمِهِمْ عَنِ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي الْمَالِ وَجَبَ عَلَى كُلِّ مَنْ حَمَلَهُ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ مِنْ حَرْبِيٍّ وَذِمِّيٍّ وَمُسَالِمٍ، أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ الْعُشْرُ، وَلَا يَمْنَعُ الْإِسْلَامُ مِنْ أَخْذِهِ، وَلَا يَكُونُ أَخْذُهُ مِنَ الْمُسْلِمِ جِزْيَةً، إِنَّمَا يَكُونُ ثَمَنًا يُضَافُ إِلَى الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَيَكُونُ مَا أَدَّاهُ إِلَيْهِمْ تِسْعَةُ أَعْشَارِ ثَمَنِهِ، وَمَا أَدَّاهُ إِلَى الْإِمَامِ عُشْرُ الثَّمَنِ أَوْ عُشْرُ الْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ مَشْرُوطًا فِي ذِمَمِهِمْ لِأَجْلِ الْمَالِ وَعَنْهُ أُخِذَ عُشْرَهُ مِنَ الْحَرْبِيِّ إِذَا حَمَلَهُ وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنَ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ جِزْيَةٌ مَحْضَةٌ، وَفِي أَخْذِهِ مِنَ الذِّمِّيِّ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُؤْخَذُ مِنْهُ لِشِرْكِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ لِجَرَيَانِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ.

فَأَمَّا الذِّمِّيُّ إِذَا اتَّجَرَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ، فَلَا عُشْرَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْهُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ مَالِهِ، إِلَّا أَنْ يَدْخُلَ تَاجِرًا إِلَى الْحِجَازِ فَيُمْنَعَ مِنْ دُخُولِهِ إِلَّا بِمَا يُشْتَرَطُ عَلَيْهِ مِنْ عُشْرِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنِ اسِتِيطَانِ الْحِجَازِ فَمُنِعَ مِنَ التِّجَارَةِ فِيهِ إِلَّا مَعْشُورًا، وَهُوَ لَا يُمْنَعُ مِنِ اسْتِيطَانِ غَيْرِهِ، فَلَمْ يُعْشَرْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>