[(باب القسام)]
[(مسألة)]
: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى أَجْرُ الْقَسَّامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُمْ حُكَّامٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْأَصْلُ فِي الْحُكْمِ بِالْقِسْمَةِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء: ٨] .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَرْضَ فِي قِسْمَةِ الْأَمْوَالِ بِمَلِكٍ مُقَرَّبٍ وَلَا بِنَبِيٍّ مُرْسَلٍ حَتَّى تَوَلَّى قِسْمَتَهَا بِنَفْسِهِ ".
وَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غَنِيمَةَ بَدْرٍ بِشِعْبٍ مِنْ شِعَابِ الصَّفْرَاءِ وَقَسَّمَ غَنَائِمَ خَيْبَرَ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَقَسَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ بِأَوْطَاسٍ وَقِيلَ بِالْجِعْرَانَةِ.
وَاخْتَصَمَ إِلَيْهِ رَجُلَانِ فِي مَوَارِيثَ تَقَادَمَتْ وَتَدَارَسَتْ فَقَالَ: اذْهَبَا فَاقْتَسِمَاهَا وَاسْتَهِمَا وَتَحَالَّا، وَقَدْ كَانَ لِلْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَسَّامٌ وَكَانَ قَاسِمُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى يُعْطِيهِ رِزْقَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.
وَلِأَنَّ بِالنَّاسِ إِلَى قِسْمَةِ الْمُشْتَرَكِ حَاجَةً فَلَمْ يَجِدُوا بُدًّا مِنْ قَاسِمٍ يُنْصِفُهُمْ فِي الْحُقُوقِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْقُسَّامُ حُكَّامٌ، وَإِنَّمَا كَانُوا حُكَّامًا لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ قَدْ يُوقِعُونَ الْقِسْمَةَ جَبْرًا كَمَا يُجْبَرُ الْحُكَّامُ فِي الْأَحْكَامِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ يَسْتَوْفُونَ الْحُقُوقَ لِأَهْلِهَا كَاسْتِيفَاءِ الْحُكَّامِ.
وَلَئِنْ كَانُوا حُكَّامًا لِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فَإِنَّهُمْ يُخَالِفُونَ حُكَّامَ الْأَحْكَامِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ حُكْمَ الْقَسَّامِ مُخْتَصٌّ بِالتَّحَرِّي فِي تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ وَإِقْرَارِهَا وَحُكْمَ الْحُكَّامِ مُخْتَصٌّ بِالِاجْتِهَادِ فِي أَحْكَامِ الدِّينِ وَإِلْزَامِهَا.
وَالثَّانِي: اسْتِعْدَاءُ الْخُصُومِ يَكُونُ إِلَى الْحُكَّامِ دُونَ الْقَسَّامِ لِأَنَّ لِلْحُكَّامِ وِلَايَةً يَسْتَحِقُّونَ بِهَا إِجَابَةَ الْمُسْتَعْدِي وَلَيْسَ لِلْقَسَّامِ وِلَايَةٌ وَلَا عَدْوَى.
وَإِنَّمَا يَقْسِمُونَ بِأَمْرِ الْحُكَّامِ لَهُمْ أَوْ لِتَرَاضِي الشركاء بهم فصارلوا فِي الْقِسْمَةِ أَعْوَانَ الْحُكَّامِ فَلَزِمَ الْحَاكِمَ أَنْ يَخْتَارَ لِنَظَرِهِ مِنَ الْقُسَّامِ مَنْ تَكَامَلَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْقِسْمَةِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ:
أَحَدُهَا: الْعَدَالَةُ؛ لِأَنَّهُ حَاكِمٌ مُؤْتَمَنٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا وَلَا فَاسِقَا.
وَالثَّانِي: قِلَّةُ الطَّمَعِ وَنَزَاهَةُ النَّفْسِ حتى لا يرتشي فيما يلي ويجوز.
وَالثَّالِثُ: عِلْمُهُ بِالْحِسَابِ وَالْمِسَاحَةِ؛ لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ لَهُمَا، وَعَامِلٌ بِهِمَا وَاعْتِبَارُ هَذَيْنِ فِي الْقَاسِمِ كَاعْتِبَارِ الْعِلْمِ فِي الْحَاكِمِ فَإِذَا عُرِفَ تَكَامُلُ هَذِهِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ عُيِّنَ عَلَى اخْتِيَارِهِ وَنَدْبِهِ للقسمة في عمله.