وَلَوْ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ بَرَّ فِي يَمِينِهِ، لِأَنَّهُ قَضَاهُ فِي زَمَانٍ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْحِينِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَأُفْتِيهِ وَرَعًا أَنْ يَقْضِيَهُ فِي يَوْمِهِ، وَأَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ إِنْ قَضَاهُ بَعْدَ انْقِضَائِهِ، لِيُحْمَلَ عَلَى أَقَلِّ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ ذلك في الحكم.
[(فصل:)]
قال: وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا إِذَا حَلَفَ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا إِلَّا بَعْدَ حِينٍ فَكَلَّمَهُ بَعْدَ سَاعَةٍ مِنْ يَمِينِهِ بَرَّ لِوُجُودِ الْكَلَامِ بَعْدَ زَمَانٍ يَنْطَلِقُ اسْمُ الْحِينِ عَلَيْهِ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَبَرُّ حَتَّى يُكَلِّمَهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ.
وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا يَبَرُّ حَتَّى يُكَلِّمَهُ بَعْدَ سَنَةٍ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي مُدَّةِ الْحِينِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالَّتِي تَقَدَّمَتْ أَنَّ هَذِهِ نَفْيٌ وَتِلْكَ إِثْبَاتٌ، فَإِذَا وُجِدَ الْفِعْلُ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فِي زَمَانٍ يَنْطَلِقُ اسْمُ الْحِينِ عَلَيْهِ بَرَّ، وَقَلِيلُ الزَّمَانِ حِينٌ، فَبَرَّ في النفي، وكثيره حين فبر الإثبات والله أعلم.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: " وكذلك زمانٌ ودهرٌ وأحقابٌ وكل كلمةٍ مفردةٍ ليس لها ظاهرٌ يدل عليها ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ: إِذَا حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ بَعْدَ زَمَانٍ أَوْ بَعْدَ دهرٍ أَوْ بَعْدَ أَحْقَابٍ بَرَّ إِذَا قَضَاهُ بَعْدَ قَلِيلِ الزَّمَانِ وَكَثِيرِهِ كَالْحِينِ، لِأَنَّهَا أَسْمَاءٌ مُبْهَمَةٌ يَنْطَلِقُ عَلَى مَا قَلَّ وَكَثُرَ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَقَلُّ الزَّمَانِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَأَقَلُّ الْحِقَبِ ثَمَانُونَ سَنَةً، وَقَالَ مَالِكٌ أَقَلُّهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَلَيْسَ لِهَذَا التَّحْدِيدِ وَجْهٌ لِعَدَمِ النَّصِّ فِيهِ وَالْقِيَاسِ، وَهُوَ فِي الْجُمْلَةِ عِبَارَةٌ عَنْ زَمَانٍ غَيْرِ مَحْدُودٍ وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَلَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا فَإِنَّهُ غَيْرُ مَحْدُودٍ فَجَازَ أَنْ يَقْضِيَهُ فِي قَلِيلِ الزَّمَانِ وَكَثِيرِهِ، وَكَذَلِكَ قَرِيبُ الزَّمَانِ وَبِعِيدُهُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْقَرِيبِ: إِنَّهُ أَقَلُّ مِنْ شَهْرٍ، وَفِي الْبَعِيدِ: إِنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ شَهْرٍ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ قَرِيبًا بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا هُوَ أَبْعَدُ وَيَكُونُ بَعِيدًا بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا هُوَ أَقْرَبُ، فَصَارَ كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ مَالٌ كَثِيرٌ أَوْ قَلِيلٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ:)
قَالَ الشافعي: " ولو حلف لا يشتري فأمر غيره أَوْ لَا يُطَلِّقُ فَجَعَلَ طَلَاقَهَا إِلَيْهَا فَطلقت أَوْ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ لَا يَحْنَثُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى ذَلِكَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو حَالُ مَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا فَأَمَرَ غَيْرَهُ حَتَّى فَعَلَهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: